Ad

يهمني التوضيح بداية، أنني أنطلق في تبيان وجهة نظري من موقع الاختلاف مع «حزب الله» وفلسفته، وليس العداء، ولا أخفي موقفي المعارض المطلق سابقاً وحالياً للحزب الإلهي، موضحاً، ونافياً في الوقت نفسه، أي شكل من أشكال الالتزام أو الارتباط التحالفي مع خصوم الحزب أو معارضيه، مؤكداً استقلالي التام باجتهاداتي النظرية وموقفي السياسي الحر. ويبقى الأمل لدي، بأنني ضمن هذا الإطار، ألْتَزِمُُ عرض الكتاب والوقائع بأقصى درجات الحياد والموضوعية، التي سأتحرر منها في أبواب الاستنتاج والموقف. واليوم، وبعد قراءاتي للدكتور علي شريعتي والإمام موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين ووضاح شراره ووجيه كوثراني وهاني فحص وعلي الأمين، فإنني أخرج وأدعو إلى الخروج عن الصمت. وأعتبر هذه القراءة مساهمةً في واجب دراسة ومعالجة ظاهرة «حزب الله». فعلى اللبنانيين والعرب خصوصا، إعمال النقد السياسي «لفهم وتذكر واعتبار حزب الله».

الركيزة الثالثة: ولاية الفقيه الشاملة والمطلقة (العامة)

وتبقى الركيزة الثالثة للحزب وهي ولاية الفقيه، وبما «أن ولاية الفقيه تمثل الاستمرارية لولاية النبي»، حسب الشيخ نعيم قاسم (ص73 من نفس الكتاب) فإن الشيخ يستشهد بقول الإمام الخميني: «فَََتَوَهُّمُ أن صلاحيات النبي في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين، وصلاحياتُ أمير المؤمنين أكثر من صلاحيات الفقيه، هو توهُّم خاطئ وباطل. نعم إن فضائل الرسول بالطبع أكثر من فضائل جميع البشر، لكن كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد في صلاحيات الحكم (نعيم قاسم –«حزب الله»– ص74).

- «فالفقيه هو الآمر الزمني والروحي وقراره قاطع لا يرد، يشمل المادة والروح وكل الناس في كل الأوطان، ومن هنا ارتباط الحزب بالولي الفقيه الإيراني ذلك أن لا علاقة لموطن الفقيه بسلطته، كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته، فقد يكون عراقياً أو إيرانياً أو لبنانيا أو كويتياً أو غير ذلك، إذ لا دخل لجنسيته بالمواصفات التي يحملها»- (نعيم قاسم- «حزب الله»– ص 77).

إن الإشارة إلى عدم أهمية الموطن تولد التباساً عما إذا كانت فقط تختص بالمرجع أم أنها تشمل أيضاً الفقيه! فوجبت الملاحظة.

• «... والارتباط بولاية الفقيه تكليف والتزام يشمل الحزب وجميع المكلفين، حتى عندما يعودون إلى مرجع آخر في التقليد، لأن الأمرية في المسيرة الإسلامية العامة للولي الفقيه المتصدي (ص77).

وهكذا يؤكد «حزب الله» نظريته اليوم بأن: «الرأي والمشورة، القرار والأمرة، الطاعة والولاء لإيران»، أما أين هامش الحركة الذاتية لشورى «حزب الله: وأمينه؟ فإن الشيخ نعيم قاسم يحاول تلمسها في كتابه (ص78)، فيحاول إفهامنا أن الفقيه (المطلق الصلاحية المعادل للنبي وأمير المؤمنين) يأخذ بعين الاعتبار عند تطبـيق الأحكام الشرعية بنظرية الظروف الموضوعية والخصوصية لكل جماعة، ومن هنا فإن «التزام «حزب الله» بولاية الفقيه حلقة في هذه السلسلة (الظروف الموضوعية والخصوصيات)، وهو سلوك في إطار التوجهات والقواعد التي رسمها الولي الفقيه».

فتكون «للشورى التي يرأسها الأمين العام والتي تحصل على شرعيتها من الفقيه، صلاحيات واسعة وتفويض يساعدها على القيام بمهامها، ضمن هامش ذاتي وخاص ينسجم مع تقدير الشورى... فإذا واجهت قيادة الحزب قضايا كبرى تشكل منعطفاً في الأداء، أو تؤثر في قاعدة العمل، أو تعتبره مفصلاً رئيسياً، أو تتطلب معرفة الحكم الشرعي فيها، عندها تبادر إلى طرح السؤال أو أخذ الإذن لإضفاء الشرعية على الفعل أو عدمه».

إسلامية المنهج ولبنانية المواطنية - خيار الظروف والمعطيات

ومن أجل التوفيق أو ربما التوافق يهتدي الشيخ نعيم قاسم إلى شعار التوأمة بين إسلامية المنهج ولبنانية المواطنية (ص79) لينتقل إلى إيحاء سياسي ملتبس إذ يجعل الاحتلال حراماً من موقع الالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية التي لا يحيد عنها. أما في أسلوب مواجهة الاحتلال فهو ضمن الخيارات المتعددة المباحة تخضع للظروف والمعطيات.

المقاومة إسلامية فقط وبأمر الفقيه

وحتى لا يتسرَّع القارئ بتعميم مبدأ مقاومة الاحتلال يتابع الشيخ: «أما الوجه المقاوم لـ«حزب الله» فهو المقاومة الإسلامية وبما أن فلسطين أرض عربية إسلامية محتلة، ويجب على المسلمين العمل لتحريرها، وبما أن مساحات أخرى من الأراضي العربية محتلة ومنها لبنان، وحيث يدعو الواجب الإسلامي لتحريرها، وقد أمر الولي الفقيه الإمام الخميني بذلك... تصدى «حزب الله» لهذا الأمر، فباشر عمليات المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل... وكانت معسكرات التدريب التي يشرف عليها الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في منطقة البقاع هي الخزان لرفد المقاومة الإسلامية بالمجاهدين» (ص94).

هذه المقاومة الإسلامية للاحتلال يبدو أنها محصورة عند «حزب الله» بالمحتل غير المسلم، فماذا لو كان الاحتلال للبنان أو غير لبنان من الدول العربية من قبل دولة مسلمة، مثل جزر الإمارات العربية الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) ولعربستان (إيران) أو لواء الإسكندرون (تركيا)؟ لا يبدو هنا أن لدى الشيخ نعيم رغبة في مثل هذه المقاربة، أو ربما لا فائدة عنده من إعلان عدم ضرورة هذه المقاومة.

ويحذِّر الشيخ نعيم قاسم من «اعتماد المقاومة على الأنظمة، (طبعاً باستثناء إيران وربما سورية للضرورة) والتبعية لها، حتى لا تقع في ضروراتها والتزاماتها... ما يستوجب الاكتفاء بالتنسيق مع المؤيدين للمقاومة للاستفادة من دعمهم أو «تفاهمهم» من دون الوقوع في التزاماتهم ومتطلباتهم، وإن انعدمت الفائدة من هذا التنسيق والدعم. (ص 103-104).

إن منطق التنسيق الانتهازي هذا يذكرنا بنظرية تاليران وفلسفته في العلاقات السياسية «إن كل حليف هو عدوّ محتمل ينقلب عندما تحين ساعته»، أو قول الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران عندما سأله الاشتراكيون لماذا تتحالف مع الشيوعيين؟ فأجاب: «حتى أنتهي منهم».

تنظيم «حزب الله» وعمله

-1 «حزب الله» وأمته

كان السؤال الأول، لدى لجنة الحزب التأسيسية المؤلفة من تسعة أشخاص (كما ورد في الفصل الاول): أي تسمية تعبر عن تسمية الحزب: «حزب الله» أو «أمة حزب الله»، فاستقر الرأي على اسم حزب الله مع محاولة استيعاب شرائح الأمة وفق ضوابط تبدأ بقبول الانتساب على أساس الموافقة على الأهداف الكاملة والالتزام بقرارات الحزب وتأدية المهام وامتلاك صفات جهادية للدخول في التنظيم، ثم تقرر عدم توزيع بطاقة على المنتسبين لأن الانتماء يبقى أشمل. ومن هنا نشأ جهاز التعبئة العامة، والهيئات الإنسانية التي تهتم بالعمل الثقافي والاجتماعي والتعبوي، وإنشاء كشافة الإمام المهدي للاهتمام بالناشئة، وإنشاء مؤسسات ذات مجالس ادارة مستقلة في المجالات التربوية والثقافية والصحية والإعلامية والزراعية والعمرانية وغيرها.

واعتمد الحزب على نظام التعبئة التربوية في التكميليات والثانويات والجامعات. بقي الحزب في الحالات أعلاه متشدداً في شروط الانتساب، ولكنه بدأ ينفتح عند التحدث عن المؤسسات النقابية والمهنية والتخصصية.

وكذلك يفعل الحزب في مجالات التعاون مع العلماء والجمعيات والمؤسسات التي تحمل استقلالية ما، ولكنها تنسجم في الاطار العام مع أهداف الحزب. وينتهي هذا التعداد التساهلي باعتبار المشاركين والمساهمين في الاحتفالات والنشاطات والمؤيدين لافكاره من أنصار حزب الله (ص86).

وهذا يكرس حقيقة واضحة وليس مجرد تساؤل عن غايات «حزب الله» في باب التنظيم والعمل العام، فإن كانت المؤسسات في المجالات التربوية والثقافية والصحية والإعلامية والزراعية كافة وغيرها يمكن وصفها بالإدارة المدنية في حال غياب الدولة والاحتلال أو الثورة، فإنها لدى «حزب الله» قائمة في كل الحالات ولا يمكن إعطاؤها إلا وصف الدولة أو المقاطعة أو التقسيم والكانتون. وهذا يجعل من الحزب دولة مستقلة لأمة الحزب تنافس استقلال لبنان «وأمته اللبنانية»، وتناقضها وتعمل على إزالتها من عقول ودروب المنتسبين والأنصار كحد أدنى!

الشورى والهيكلية التنظيمية

إن القيادة الجماعية بمفهوم «حزب الله» تساوي الشورى، واستمر هذا الشكل التنظيمي سبع سنوات لم يطرأ عليه سوى تعديل بسيط عام 1985 مع إعلان الرسالة المفتوحة باستحداث موقع الناطق الرسمي للحزب.

وبعدها أقر نظام داخلي حدد اعضاء الشورى بتسعة ينتخبون لسنة واحدة من قبل كوادر يشغلون منصب مسؤول قسم وما فوق. ويتولى هؤلاء انتخاب أمين عام من بين أعضائها.

فكان الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول المنتخب في 5/11/1989، ثم تعدلت الشورى فأصبحت سبعة، ومدتها سنتان واستحدث منصب نائب الأمين العام. فانتخب عباس الموسوي في مايو (آيار) 1991 الذي استشهد في 16 فبراير (شباط) 1992 ليخلفه السيد حسن نصرالله في مايو (آيار 1993). فأجرى تعديلين على نظام الشورى: الأول بتجديد مدة الشورى ثلاث سنوات وعدم حصر انتخاب الأمين العام لدورتين متتاليتين وإعطائه الحق بالترشح لدورات متتالية. وكرست التعديلات الأخرى المجالس الخمسة: المجلس الجهادي، المجلس السياسي، المجلس التنفيذي، مجلس العمل النيابي والمجلس القضائي. وهذا الأخير يضم المسؤولين القضائيين في المناطق، الذين يتابعون العمل مع أفراد من «حزب الله» لفصل النزاعات، والحكم في تجاوز الحدود الشرعية وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. (ص89). فبات نظام الحزب الداخلي أكثر انسجاماً مع ولاية الحكم الفقهية أو التوتاليتارية أو الملكية الوراثية. وهنا يمكن القول أيضاً مع الدكتور علي شريعتي إن هذا التوجه هو أقرب إلى التشيع الصفوي منه إلى التشيع العلوي.

أما في موضوع الاستقطاب، فيقول: «وعندما تكاثرت رغبات وطلبات الانضمام إلى «حزب الله» ممن لا تتوافر فيهم شروط الالتزام بالإسلام أو بعض الشروط الخاصة، رفض الحزب إجراء تعديلات لاستيعابهم لأنها سُنة الحياة، ولا داعي للوقوع تحت ضغط المطالبة عندما يكون الخيار بين الأهداف والاستقطاب، فالأهداف في المحل الأول ويكون الاستقطاب على أساسها، أما الاستقطاب الذي يضيع الأهداف واحداً تلو الآخر فسيفرط عقده عند أي منعطف». (ص 92)

وهذا ما حصل فعلاً إذ سقطت تجربة سرايا الدفاع التي تظاهر «حزب الله» باحتضانها مستبطناً حتمية سقوطها وفقاً لما ذكره في كتاب الشيخ نعيم قاسم.

2- المقاومة الاسلامية

هكذا يبدأ الشيخ نعيم قاسم مقاربة التصدي للمناخ العربي والفلسطيني المستسلم والمتراخي أمام المطامع الإسرائيلية لأن «فلسطين أرض عربية إسلامية محتلة ويجب على المسلمين العمل لتحريرها، وبما أن مساحات أخرى من الأراضي العربية محتلة ومنها لبنان، وحيث يدعو الواجب الإسلامي الى تحريرها، وقد أمر الولي الفقيه الإمام الخميني بذلك: (إسرائيل غدة سرطانية... تصدى «حزب الله» لهذا الأمر، فباشر عمليات المقاومة الإسلامية... وكانت معسكرات التدريب التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني في منطقة البقاع هي الخزان الرئيسي لرفد المقاومة الإسلامية بالمجاهدين». (ص95)

وكانت الدورات العسكرية شرطاً للانتساب الى الحزب، وقد «عبرت المقاومة الاسلامية دائماً عن طبيعة عملياتها الجهادية، بأنها عمليات تحرير وليست عمليات سياسية... لأن الحزب غير مقتنع بمفاوضات التسوية المطروحة، فلا جدوى من العمليات ذات الطابع السياسي... ويبقى الحل العملي والموضوعي والشرعي هو عمليات التحرير التي تنعكس سياسياً بتراجع العدو وتغيير خططه وأساليبه». (ص102)

وهذا يكرس نهائياً لدى «حزب الله» بُعداً شاملاً أن الحل هو بالجهاد لا بالمفاوضات، وبالتصادم لا بالتفاهم، ويؤكد أن قرار الحرب والجهاد والمقاومة هو للفقيه وحده دون مشارك في لبنان كما في أي مكان آخر حيث «يأمر الولي الفقيه».

بالرغم من ذلك فان «حزب الله»: «لا يرى فائدة من استهداف الإسرائيليين في العالم، فالمواجهة محقة ومجدية ومقنعة في بقعة الاحتلال... لأن ذلك يراكم التأثير ولا يربك المقاومة بمؤثرات جانبية مضرة، وهذه الرؤية غير منفصلة عن الجانب الشرعي في تحديد قواعد وضوابط المواجهة». (ص105)

كما أن المقاومة الإسلامية تنتهج أسلوب العمليات الاستشهادية المباشرة فقامت بعمليات لا تحصى ولا تعد، ومنها السيارات المفخخة «وقد بلغت اثنتى عشرة عملية فقط». (ص106)

كما أن روحية الاستشهاد عند الحزب «انتشرت بفعل الالتزام الديني المرتبط بالمنهج الإسلامي»... وينتهي الشيخ نعيم هنا إلى إثبات الفهم الخاص لمعنى المقاومة والاستشهاد فيعترف صراحة بأنها «لا تتولد من مجرد وجود الاحتلال لأن تحرير الأرض طاعة لله في رفض الاحتلال والشهادة للفوز بجنة الله».

وقد كانت تسمية الحزب في البدء من قبل لجنة التسعة المؤسِّسة: «للحركة الإسلامية في لبنان» ثم أعطيت له تسمية «المقاومة الإسلامية» إلى أن استقر الرأي على تسمية «حزب الله» في بداية 1985.

وعندما ينتقل «حزب الله» إلى وصف وتسمية المقاومة بالإسلامية، فهو يركز على «الشخصية الإسلامية المؤمنة بشريعة السماء».

- فرداً على أخطاء وتصرفات الحركات الإسلامية يميز «حزب الله» مقاومته عن المسلمين الآخرين. «ولتكن التجربة خير برهان». (ص 109)

• ورداً على خطر التوازن الطائفي الداخلي، فإن الحزب يختبئ وراء الادعاء بأن «قوته العسكرية هي في مواجهة الاحتلال حصراً».

• أما الرد على القوى الوطنية ومصادرتها فيقدم الحزب سبباً أولياً بعدم وضوح غايات المقاومين السابقين له، وثانياً الزعم المزَّور من قبل الأحزاب والمنظمات الأخرى بأن عمليات المقاومة التي قام بها الحزب خلال السنة والنصف الأولى لانطـلاق مقاومته «فكان الاعلان الاول عن عملية الاستشهادي علي صفي الدين بتاريخ 12/4/1984». ( ص 110-111)

3- المقاومة والعمل العام

جاء «حزب الله» متأخراً إلى ساحة العمل السياسي بما يقارب عشر سنوات بعد الاعلان عن تأسيسه 1982، وأول انفتاح له على الناس تحقق مع قرار المشاركة في الانتخابات النيابية 1992 ثم بعدها بسنوات مشاركته الوزارة، قبلها قضى سنوات صرَّفها في العمل العسكري والسري لأن «العمل السياسي والعلاقات العامة تتطلب العلانية... ولأن العمل السياسي يتطلب تنازلات ومراعاة في الأداء المقاوم، الأمر الذي يسيّس المقاومة. وزال هذا الخوف بعد أن قوي عود المقاومة وأثبتت نفسها وحضورها، وتركزت صياغة «حزب الله» بما يقطع الجدل ويحسم العلاقة بين الجهادي والسياسي. وحركة «حزب الله» حركة جهادية والجهد السياسي الذكي والحكيم يجب أن يكون السند والدعم لهذه الحركة الجهادية...». ( ص 113)

هذا الوصف الذي يقدمه قيادي بارز في الحزب يُعتَبَر الدليل والرد الحاسم على كل المتوهمين أو اللاهثين وراء إقامة علاقات أو «تفاهمات» سياسية مع «حزب الله» لا تخدم ولا تسند مشروع الجهاد العسكري، وهذا وحده يكفي دون الأسباب الأخرى الكثيرة والجوهرية لتَبْطُل القراءة الإيجابية لورقة التفاهم التي يبحث عنها الجنرال عون وتياره ويطالب الآخرين بتبنيها وتوقيعها.

• أما نظرة الحزب إلى العلاقات مع القوى والفعاليات السياسية والحزبية، فيؤكد «حزب الله» أنها ترتكز على «أولوية المقاومة للتحرير، أو تأجيل نقاشات المستقبل والاستراتيجيات، وانتظار ما ستؤول إليه مواجهات العدو الإسرائيلي». (ص115)

هذه نظرية جهادية عسكرية، تُصَادِرُ من القوى السياسية كلَّ جهد أو تطلُّع لبناء المجتمع، حتى لو كان مقاوماً، بحجة بنائه على التفرُّغ للجهاد والقتل والغزو البدائي. وإن كان يتم تغليفه بمبدأ حق المقاومة والتحرير.

أليس هذا الجهاد الذي يبشر به «حزب الله» هو اختزال لشعار الثأر الذي اعتمدته حركات قومية وطنية ومنها بالذات حركة القوميين العرب التي رفعت مثلث (وحدة- تحرير- ثأر)؟

أليس هذا الحصر والانضواء تحت شعار الجهاد «وتأجيل نقاشات المستقبل»، هو الشعار الذي اختبأت الأنظمة العربية وراءه فقضت على الحرية والديمقراطية في أقطارها بحجة التفرغ للجهاد ضد العدو الصهيوني؟

وفي الحالتين السابقتين صدر حكم التاريخ ويكفي أن نعيد قراءته أو التذكير به لعل الذكرى تنفع أهل الثأر الجدد.

• أما الخدمات الاجتماعية : فقد وفرها الحزب عبر الهيئات التالية:

-1 مؤسسة جهاد البناء التي أنشئت عام 1985.

-2 الهيئة الصحية الإسلامية عام 2001.

-3 التعبئة التربوية.

-4 مؤسسة الجرحى.

كما قامت إلى جانب الحزب:

1- مؤسسة الشهيد الخيرية الاجتماعية.

2- لجنة الإمداد الخيرية الإسلامية.

هذه المؤسسات وغيرها، وإن سارع الحزب إلى الإعلان أنها ليست لاستقطاب الناس والتفافهم حول الحزب إلا أنها بالفعل بدأت اليوم تتكشف عن مشروع واضح يتم استكماله عبر إقامة مؤسسات بديلة لدولة «الجمهورية اللبنانية» بانتظار تحقق أمة «حزب الله» ودولته الموعودة ولو قبل ظهور المهدي المنتظر خلافاً للسلوك التاريخي لأهل التشيع العلوي. ذاك السلوك الذي نقضه الإمام الخميني فقهياً في دروس الدولة الإسلامية وعملياً بقيادة الثورة الإيرانية الإسلامية سنة 1979 والذي يقلده غداً بعض أتباعه خارج الجمهورية الإيرانية الأُم.

«يتبع»