مشكلة «حدس» التي لا تريد الاعتراف بها هي خياراتها الخاطئة في الزمان والمكان، حيث تخلت عن الشارع وتحالفت مع الحكومة في وقت وصلت فيه ثقة المواطن بالحكومة إلى الحضيض، وبالتالي انعكاس ذلك الانطباع الشعبي على كل الحلفاء الحكوميين من مختلف التيارات.

Ad

المتابع لتصريحات نواب «حدس» أو لتلك البيانات الصادرة عن الحركة حول بعض القضايا المثارة، يخيل إليه أن مستوى التمثيل النيابي الحالي لها يصل إلى حدود عشرة نواب، هذا على الأقل ما عكسته التصريحات «الحدسية» حول أزمة البورصة والمصفاة وإعفاء البشير وغيرها من قضايا الساعة.

يبدو واضحاً أن الحركة لم تستفق بعد، من صدمة مايو الماضي عندما تساقط نوابها كأوراق الشجر في الخريف أمام خيارات الأمة التي ترجمتها صناديق الاقتراع، فهي مازالت تواصل مكابرتها وقفزها على الحقائق من جهة، ومن جهة أخرى تواصل حملة إفلاسها السياسي والإعلامي حتى بدت وكأنها «تحبو» في عالم السياسة بعد سقوط أكذوبة الإرث السياسي الطويل لها كحركه بسبب عقليات الحرس «الحدسي» القديم المسيطر على كل شيء في جمعية الإصلاح، وهي العقول التي لو كانت تملك أدنى درجات «الفهم» للواقع السياسي لرفضت أن تكون ممثلة في الحكومة الحالية، وخلقت لنوابها هامشا كبيرا من المناورة كما كان في مجلس 2003، لكن دخولها التشكيل الوزاري عبر وزيرها العليم «كسر ظهرها» فحملت عبء الحكومة إضافة إلى عبء فشلها في الانتخابات الماضية.

بالعودة إلى أكذوبة «الإرث السياسي» التي يتغنى بها نواب «حدس» وكتّابها عند مطلع كل شمس، أجد نفسي في حيرة ممن يطلق الكذبة ويصدّقها، فالحركة ومنذ ثمانينيات القرن الماضي تترنح سياسيا، بدءاً بمجلس 81 عندما حدثت فضيحة «عشماوي» في وزارة التربية ولم تحرك «الحركة الإسلامية» ساكناً تجاه القضية رغم أن أحد أبرز قيادييها الآن كان رئيساً للجنة التعليمية آنذاك، مروراً بموقفها المثير للشبهات والجدل في فترة الغزو، وانتهاء بالمجزرة السياسية التي تعرضت لها في انتخابات مجلس 2003، وكذلك المجلس الحالي، بالإضافة إلى أن أياً من نواب «حدس» لم يقدم استجواباً منفرداً لأي وزير طوال التاريخ السياسي الكويتي، فجميع الاستجوابات التي شاركت فيها الحركه تكون بمعية نواب من كتل أخرى، وكأنها أضعف من أن تمارس الجانب الرقابي لوحدها.

بعد هذا كله فإن من يتحدث عن الإرث السياسي وأن الحركه يجب أن تقود ولا تقاد، تكون قواه العقلية محل شك.

على كل فإن تأثير غياب عرّاب الإخوان المسلمين في الكويت النائب السابق مبارك الدويلة عن المشهد السياسي، أصاب الحركة في مقتل، بعد أن عجزت عن إيجاد «دويلة» آخر، وانحصرت خياراتها في نواب على شاكلة طيب الذكر دعيج الشمري، فاضطرّت إلى ارتداء عباءة الحكومة لتعويض فشلها السياسي الشنيع، بمكاسب مالية ومعنوية عبر الحقيبة الوزارية.

مشكلة «حدس» التي لا تريد الاعتراف بها هي خياراتها الخاطئة في الزمان والمكان، حيث تخلت عن الشارع وتحالفت مع الحكومة في وقت وصلت فيه ثقة المواطن بالحكومة إلى الحضيض وبالتالي انعكاس ذلك الانطباع الشعبي على كل الحلفاء الحكوميين من مختلف التيارات، أما كارثة «حدس» في الفترة الأخيرة فهي تصنيفها للقوى السياسية الأخرى، أياً كانت، وعند أي قضية خلافية، في خانتين لا ثالث لهما، إما كاره لها، وإما منافقة تتكسب على حسابها، أضف إلى ذلك أن «الآخر» بالنسبة لها، ينفذ أجندات مشبوهة وله مصالح خاصة، وكأن «حدس» أطهر من ماء مطر على ظهر صخرة صماء، ومع ذلك كله مازالت تمارس سياسة الصوت العالي في زمن ضعفها.