يعتبر الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي أحد أصحاب الأقلام العربية والإسلامية التي شغلت نفسها بهموم الأمة والزود عن قضاياها المختلفة، تميز بجرأته واختراقه الملفات الشائكة غير عابئ بشيء إلا بمسؤوليته الدينية كمفكر إسلامي والقومية كمواطن مصري عربي.

Ad

يؤكد هويدي في حواره مع «الجريدة» أن أميركا دؤوبة على فرض هيمنتها ونموذجها الحضاري على العالم الإسلامي لترسيخ مفهوم القرن الأميركي الخالص، مشيراً إلى أن استمرار الهشاشة الواضحة في العالم الإسلامي سيعطي أميركا الفرصة لتنفيذ سياسة الإبتلاع وتفريغ الأمة من محتواها الديني والفكري والتاريخي والثقافي، بينما يبقى تفاهم التيارين الإسلامي والقومي بمثابة طوق النجاة للأمة، لافتاً إلى أن التيار العلماني ليس شراً كله، فهناك علمانية مصالحة للدين وأخرى مخاصمة له، نستطيع التفاهم مع العلماني المتصالح مع الدين أما المتخاصم فليس بيننا وبينه أرضية مشتركة.

هل تعتقد أن الإعلام يُعد أحد أسلحة العولمة التي تستخدم في فرض الهيمنة الغربية وتشويه صورة الإسلام؟

هو كذلك بالفعل، ولا مفر من الاعتراف بأن الإعلام الغربي بوسائله المتعددة يعد أحد أسلحة العولمة الشرسة ويستخدم في المجال الديني خصوصاً، ونجح في تشويه صورة الإسلام وجعل الكثيرين ينفرون من كل ما يتصل به في الحياة العملية. شاعت تلك الصورة النمطية لدى الرأي العام الغربي، إلا أننا ينبغي ألا ننكر أن ذلك حدث في أوساط النخبة العلمانية العربية أيضاً، ما يؤكد لنا أن وباء «الإسلاموفوبيا» أو الخوف من الإسلام أصبح مرضاً متوطناً يتطلب جهداً كبيراً لعلاجه، خصوصاً بعدما تكفلت العولمة وثورة الإتصال بهدم الحواجز بين البشر واخترقت الحدود، حتى أصبح الآخر القريب أو البعيد مقيماً في بيتنا بصفة دائمة، وأصبح البيت العربي والمسلم، الذي اعتاد في السابق على استقبال الغرباء واستضافتهم وكانت التقاليد تقضي بألا يسأل الضيف عن هويته أو عن مقصده إلا بعد ثلاثة أيام، يستقبل على مدار الساعة وطوال الليل والنهار ثقافات العالم بأسره التي أصبحت تسكن معه رغم أنفه، بخلاف التداخل الحاصل في مجالات الاقتصاد والسياسة الذي أصبح من سمات العالم الآن، وصارت تنظمه وتفرضه أحياناً اتفاقات دولية تلزم جميع الدول حتى وإن لم توافق عليها، وإن كان نفوذ الأقوياء يمكّنهم من التهرب من استحقاقاتها، وهو الحاصل في إجراءات الحماية التي تفرضها الولايات المتحدة لصالح منتجاتها لمواجهة تفوق السلع الأجنبية، ومن المفارقات المدهشة في هذا الصدد أن الإسلام الذي يضيَّق عليه ويتهم ويطارَد من قبل الإعلام المعولم كي تغيب مرجعيته عن العلاقات الدولية، هو الدين العالمي ذاته الذي بسط يده وفتح ذراعيه للجميع منذ نزل، بل إنه عانى كثيراً من الانفتاح على الآخرين ومد الأيدي لهم، وما زالت مشكلته أنه يعترف بالآخرين ولكن الآخرين يرفضون الاعتراف به، وهو ما يحصل اليوم على الصعيدين العقدي والحضاري أو الديني والدنيوي، وليست المشكلة التي تواجه التعاون مع العالم الخارجي في ظل العولمة في جانب المسلمين، لكنها كامنة بالدرجة الاولى في مخططات قوى الهيمنة التي تريد للتعاون المنشود أن يغدو إلحاقاً وتبعية.

القطيعة

تدفعنا العولمة، بكل ما تحمل في ثناياها من مشاريع أميركية وغربية تحاول فرضها على العالم الاسلامي خصوصاً، إلى التساؤل أين هو مشروع العرب والمسلمين أنفسهم لمناهضة هذه المشاريع الوافدة ومقاومتها؟

شهد العالم العربي والإسلامي خلال السنوات الأخيرة صعوداً ملحوظاً لأسهم الاتجاهات القطرية التي عبرت عن نفسها برفع شعار «بلدنا أولاً»، وتضمن في ثناياه دعوة إلى القطيعة مع القضايا المتعلقة بمصير الأمة، وانعكس ذلك على الواقع، فأصبحت السفينة العربية والإسلامية بلا ربان يقودها ويرشدها في معركة العولمة الطاحنة، ما فتح الباب للتشتت والتشرذم. للأسف حينما يقوى العالم العربي والإسلامي اقتصاديا يضعف سياسياً، ولم تترجم هذه القوة الاقتصادية التي توفرت إلى قدرة سياسية في الساحة الدولية في ظل التشرذم والانكفاء الراهنين، ولم يقف الأمر عند حد التراجع في الإرادة السياسية، إنما سادت العالم العربي حالة من الانفراط غير المسبوق، حين أصبح تعبير الأمة الواحدة على المستوى السياسي جزءاً من التاريخ وليس الواقع. صار العالم العربي والإسلامي منقسماً إلى معسكر لـ{الاعتدال» وآخر لـ{التطرف»، وإلى سنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين وإسلاميين وعلمانيين، ذلك كله غيّب المشروع العربي والإسلامي عن عمد وجعله الأضعف في المعركة الحضارية الراهنة التي تقودها العولمة في ثوبها المتأمرك الجديد، لذلك يجب أن نعلم أن المشكلة ليست في تمدد المشروع الأميركي، لكنها تكمن أساساً في غياب المشروع العربي والإسلامي الذي يملأ الفراغ الراهن، وهذا المشروع لا يُستحضر بالخطب والمقالات، إنما يتشكل أولاً بتوافر الإرادة المستقلة ووضوح الرؤية في ترتيب الأولويات الاستراتيجية، إلى جانب الأخذ بأسباب القوة الذاتية باختلاف مقوماتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

هل تعتقد أن أنصار العولمة يعملون على تغريب الأجيال الجديدة في محيطنا العربي والإسلامي إمعاناً في تحقيق الهزيمة الحضارية الراهنة والمستقبلية للمسلمين؟

بالتأكيد، يصر مهندسو العولمة ومصمموها على إلحاق الهزيمة بنا على كل الجبهات، حتى قيمة أطفالنا لا يريدون لها أن تفلت من هيمنتهم، ويعدون إعداداً لحوحاً ليُعاد تشكيل الأجيال الجديدة، بحيث تتطبع بطبائعهم وتنصاع لمنظومة قيمهم وسلوكياتهم، وهو تدبير خطير يدهشنا من زاويتين لأنه حاصل أولاً ثم لأننا ساكتون عليه أو لاهون عنه ثانياً‏‏‏، إنها إحدى حلقات مسلسل إعادة صياغة العالم ليدور في فلك المنظومة الغربية في تحدٍّ غريب من نوعه لثقافات الآخرين وخصوصياتهم، وهي جرأة غير مسبوقة في اتساعها وشمولها، يراد بهذا الاجتياح الحاصل الآن إعادة صياغة العالم، بحيث يتشكل وفقاً للهوى الغربي من خلال المنظمات والمواثيق الدولية ودونما اللجوء إلى الإحتلال والقوة العسكرية، وهي الظاهرة التي برزت إلى الوجود بعد انتهاء الحرب الباردة، وفي ظل الانتصار الكاسح للنموذج الغربي الذي أعقب سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الاشتراكية، سواء كان ذلك الانتصار راجعاً إلى قوة في النموذج الغربي أو نتيجة ضعف منظومة الدول الاشتراكية وتفككها، فالشاهد أن الغرب بزعامة الولايات المتحدة استفرد بالساحة في النهاية، وقرر أن يبسط هيمنته على كل الميادين من السياسة إلى الأخلاق‏. أصبح الواقع الراهن شاهداً على المحاولة الدؤوبة لعولمة ‏النظم الاجتماعية والأخلاقية للدول المختلفة وتغريبها، وهي المحاولة التي تتحدى الخصوصيات الثقافية لشعوب العالم‏ عموماً والعالم العربي والإسلامي خصوصاً.

الإسلام المتأمرك

شهدت الفترة الماضية ترويج بعض المستغربين والمتأمركين لما يسمى نموذج الإسلام الأميركي. كيف ترى هذا النموذج وكيف يمكن مواجهته؟

نموذج الإسلام الأميركي حقيقة موجودة فعلاً وتحاول الولايات المتحدة تسويقه وترويجه في العالم الإسلامي، من خلال بعض الأقلام التي قبلت على نفسها أن ترتمي في الحضن الأميركي، وهذا الإسلام الجديد هو الإسلام الذي يُفرّغ من مضمونه ويهمش فيه دور الأمة، ويهمل فيه دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويختزل فيه مفهوم الجهاد ويصفي كل ما يتعلق بإسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي وتُصاغ القضية الفلسطينية من جديد حسب الرؤية الأميركية. هذا النموذج يمكن مواجهته بأساليب كثيرة في مقدمها التوعية حول خطره على أمة الإسلام من خلال وسائل الإعلام الإسلامية، والحوار والمناقشة ومحاولة فضح هذه المخططات الأميركية التي تحاك للأمة الإسلامية.

هل تهدف الحلول الأميركية المطروحة على العالم العربي والإسلامي إلى الاستخفاف به ومعاداته بشكل كامل، أم أنها استراتيجية تتبعها الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي؟

الولايات المتحدة دولة كبرى ومن الطبيعي أن تكون لها مخططات منها فرض هيمنتها ونموذجها الحضاري على العالم الإسلامي، خصوصاً أن هناك مدرسة أميركية مهمة الآن تتحدث عن القرن الأميركي، وهو القرن الذي تتسيد فيه الولايات المتحدة العالم وتؤدي دوراً مهيمناً في المنطقة، هذا الكلام وارد جداً في الفترة الراهنة، لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة راهناً هو: ما هي حالة الممانعة التي نتمتع بها نحن العرب والمسلمين؟ ليست المشكلة في مخططات الأميركيين بقدر ما هي حصانات المجتمعات المسلمة شعوباً وحكومات.

هذه الأطروحات الأميركية هل هي ناتجة من وجود فراغ حقيقي في العالم الإسلامي ما يجعله عاجزاً عن حل مشاكله الأساسية أم أنها سياسة الابتلاع الجديدة المغلفة بمظاهر العولمة؟

الاثنان معاً، هناك تطلعات أميركية واضحة، وسياسة ابتلاع حقيقية تمارسها الولايات المتحدة لتفريغ الأمة من محتواها الديني والثقافي والسياسي والتاريخي والفكري، وفي الوقت نفسه توجد هشاشة راسخة في العالم الإسلامي وضعف يدفع دول العالم الإسلامي في غالبيتها الى الاعتماد على الولايات المتحدة، ويوم يحدث استقلال للأمة في إرادتها ومواردها ستكون في حالة تسمح لها بالصمود والخروج من دائرة التبعية المطلقة التي تعيش فيها، أما والحال ليست بهذه الاستقلالية المطلوبة، فالمتوقع من الولايات المتحدة أن تطمع في بسط هيمنتها الثقافية والاستهلاكية والحضارية.

هل يعدّ انشغال الكثيرين، ومنهم طوائف عدة من مفكري الأمة، باستيراد الحلول الجاهزة، السبب الرئيس لوجود التنظير الأميركي في حل مشاكل الأمة على الرغم من القتال الفكري الذي يقوده المفكرون المستنيرون دفاعاً عن هوية الأمة؟

المثقفون ليسوا أصحاب قرار ولكنهم أصحاب فكر ورأي، ومن الطبيعي أن ينشغلوا بالدفاع عن قضايا الهوية والمصالح العليا للأمة، المهم معرفة الأوضاع السياسية وآليات صدور القرار في دول العالم العربي والإسلامي، فإذا كانت هذه الدول مستسلمة للإنصياع للموقف الأميركي، من حق الولايات المتحدة أن تتطلع إلى المزيد والمزيد، لذا أكرر: ما هي مناعة وحصانات المجتمعات والحكومات الإسلامية التي تمكنها من أن تكون عصية على الهيمنة؟ بالتالي المشكلة في داخلنا وليست في مخططات الآخرين، من الطبيعي أن يخطط هذا الآخر لمصالحه وأهدافه ولكن من غير الطبيعي أن تنصاع الأمة وتستجيب لهذه المصالح.

كيف نحقق هذه المناعة العربية الإسلامية ونخلق حائط صد يستطيع حماية مصالحنا؟

هناك أمور عدة في مقدمها امتلاك القدر الكافي من القوة السياسية والاقتصادية ووضوح الرؤية الحضارية، استطاعت تركيا أن تقول لا للأميركان، لأن حكومتها منتخبة ومدعومة شعبياً، أما معظم دول العالم العربي والإسلامي فلديها هشاشة في البنية السياسية والاقتصادية ولا تعتمد حكوماتها على إرادة شعبية، ولا يقوم اقتصادها على مواردها الخاصة، فالأمة تستجدي الشرعية من الآخرين بقدر ما تستجدي الموارد منهم.

حوار إسلامي قومي

في السنوات الأخيرة أقيم حوار كبير بين التيار الإسلامي والقومي، في ظل هذه الظروف التي تمر بها الأمة، هل تحتاج إلى وجود تحالف إسلامي قومي يستطيع إنقاذها من براثن الفتن الراهنة؟

التياران الإسلامي والقومي هما التياران الأصيلان الموجودان في المجتمع العربي والإسلامي ويعبران بحق عن أمور لها جذور وشعبية في هذا المجتمع، في ما عدا ذلك فإن التيارات الليبرالية أو الماركسية كلها مستوردة من الخارج، ومع هذا لا أحد ينكر لها حقها في البقاء، لذا يمكن القول إنه إذا تفاهم التياران الإسلامي والقومي سيكون ذلك بمثابة طوق النجاة الحقيقي لإنقاذ الأمة، لكن إذا لم توجد بيئة سياسية تسمح بتفعيل ذلك التفاهم وتحويله إلى مشروع سياسي وحضاري مشترك، لن يكون له أي قيمة على أرض الواقع، لأنه في هذه الحالة سيتحول إلى اجتماعات تضم النخب والمثقفين من الجانبين في بعض العواصم العربية المختلفة ويصدرون بعض البيانات وينتهي الأمر عند هذا الحد. المشكلة أن البيئة السياسية العربية بيئة ضعيفة وتغيب فيها مقومات المشاركة الحقيقية، ما يضعف كل القوى السياسية.

يحاول بعض المتربصين بالإسلام وبمقدرات الأمة تأجيج الفتن المذهبية والطائفية وإثارتها من آن إلى آخر، كيف يمكن الخروج من هذه الإشكالية الخطيرة؟

ثمة نقطتان أساسيتان، الأولى أن بعض المتعصبين يحاولون بين الحين والآخر إثارة هذه الفتن سواء المذهبية أو الطائفية، وذلك يحتاج إلى مجهود العقلاء في مواجهته وهو المطلوب حقيقة في الوقت الراهن، الأمر الآخر أنه في بعض الأحيان لا تكون المشكلة مذهبية أو طائفية أو عرقية بقدر ما هي غياب المشروع المشترك، فلو وجدت هذه المجتمعات مشروعاً مشتركاً يصهر فيه الطاقات، لا تستسلم لمثل هذه الأساليب، وبالتالي يجعل العمل أو الحلم المشترك الذي يأتي من خلال حرية سياسية مشتركة، الناس أبناء وطن واحد لا أبناء طوائف وأعراق، وهو مفتاح مهم، ودائماً تشهد الساحة العربية تسليط الأضواء على من يحاولون إثارة الفتن، لكن لا بد من تسليط الأضواء بدرجة أكبر أيضاً على الذين يحاولون إطفاء هذه الحرائق والفتن. من المعروف أن الأمة تعاني اليوم من هزيمة حضارية حقيقية نتيجة الاستبداد وغياب الحريات، وإذا استعادت الأمة عافيتها من الممكن أن تتحرك فيها التيارات الإصلاحية العاقلة بشكل جاد ومسؤول.

هل من الممكن إقامة حائط صد حقيقي لمقاومة التيار العلماني في العالم العربي والإسلامي أو تقويمه؟

يشبه التيار العلماني أي تيار آخر ويحتوي على المتطرفين والمعتدلين، العقلاء والحمقى، ولا مفر أو بديل عن ضرورة التفاهم مع العقلاء والمعتدلين، فليس التيار العلماني كله شراً وبعضه يعاني من اللبس، مشكلتنا مع المتطرفين العلمانيين وليس مع العلمانيين بشكل مطلق، وبالتالي من المهم معرفة أي علمانية يقصدون، فهناك علمانية متصالحة مع الدين وأخرى متخاصمة معه، نستطيع أن نتفاهم مع المتصالح أما المتخاصم فلا تجمعنا معه أرضية مشتركة.

ماذا عن قراءتك المستقبلية للأوضاع الراهنة في العالم العربي والإسلامي؟

لا أكاد أرى مبشرات كثيرة، لكن المستقبل مرهون بمستقبل الديمقراطية في العالم العربي، لأن الديمقراطية والحريات حين تتاح، توفر للناس إمكانات التعبير عن رغباتهم ومشاركاتهم، فإذا استمر غياب الديمقراطية سيستمر التوتر، وإذا تحققت سيُحدث ذلك انفراجاً يسمح للأمة العربية أن تكون أقل توتراً وأكثر اعتدالاً.

حوار الأديان

كيف تنظر إلى الدعوات المتجددة بين حين وآخر لضرورة تفعيل حوار الأديان؟ وهل من الممكن أن يكون هناك حوار فاعل في ظل الظروف المعاصرة؟

هذه الدعوات مطلوبة، ويجب أن تستمر وأن يكون هناك عمل جاد لتفعيلها. يظل الحوار بين أهل الأديان باباً يتعين طرقه والإفادة منه، ونحن هنا لا نتحدث عن العقائد وخلافاتها، بل عن الأمور المتفق عليها، خصوصاً في مجال تثبيت الإيمان والدفاع عن الأخلاق والفضائل، وإذا ما توازى ذلك مع حوارات مثقفي الجانبين التي تتم في المؤتمرات والمنتديات المختلفة، فإن دائرة التواصل يمكن أن تتسع، بحيث تتيح مجالاً أرحب للفهم والتفاهم حول القضايا التي تهم المجتمع الإنساني، ولا بأس من التوسع في إنشاء جمعيات الصداقة مع أبناء الدول الأخرى، شريطة أن يتم ذلك بالتنسيق بين الدول العربية والإسلامية، لكي تشمل تلك الجمعيات أكبر عدد ممكن من دول العالم، غربه وشرقه، وهناك أنشطة عالمية يتعين ألا يغيب المسلمون عنها، ليس لتحقيق مصالحهم فحسب، ولكن لمد جسور التواصل والتفاهم أيضاً. يتعلق بعض هذه الأنشطة بحقوق الإنسان ومكافحة آثار العولمة والدفاع عن البيئة ومحاربة العنصرية والفقر وإغاثة ضحايا الكوارث الخ...

هناك حقيقة أرجو ألا تغيب عن أذهاننا طول الوقت، هي أننا لن نستطيع أن ندافع عن الوسطية حقاً إلا إذا مارسناها في حياتنا وعلاقات مجتمعاتنا، وسيكون ذلك خير مبلّغ عنا وخير مصحح للمفاهيم المغلوطة التي تروَّج ضدنا، كذلك ليس الغرب كله عدواً لنا. صحيح أن في المجتمعات الغربية متعصبين وكارهين للإسلام والمسلمين، تدعمهم بقوة المؤسسات الصهيونية التي لا يجدي معها حوار، لكن هناك أصدقاء أيضاً ينبغي أن نحرص عليهم، وهناك قطاع غير قليل من المحايدين المستعدين للاقتناع، إذا تلقوا خطاباً رصيناً ونزيهاً يحترم عقولهم. إلى هاتين الدائرتين ينبغي أن يتوجه المسلمون بمساعي التواصل، وهو دور لا يمكن الإقلال من شأنه، تقوم به الجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب، التي إذا وعت ونشطت وقدمت نموذجاً مشرفاً، استطاعت أن تؤدي دور الجسر الإيجابي بيننا وبين الغرب.