الفاطميون مجدداً
دعوة قائد «الثورة الليبية» وزعيمها العقيد معمّر القذافي إلى إعادة إحياء الدولة الفاطمية وبنائها من جديد، التي أطلقها خلال إمامته صلاة الجمعة في نواكشوط بموريتانيا، لم تفاجئ بالتأكيد إلّا الذين لا يعرفون حقائق الأمور، والذين ليس لديهم أي معلومات عن «الدعوة الفاطمية» ولأي من المذاهب الإسلامية تتْبع. وربما أيضاً ان كثيرين حتى في الجماهيرية الليبية نفسها، لا يعرفون ان الزعيم الليبي نفسه ينتمي الى الدعوة الفاطمية التي أقامت ذات يوم من الأيام دولة مزدهرة في جزء كبير من شمالي إفريقيا ومصر بالطبع، وامتد نفوذها حتى عُمق إيران، وأقامت دولة أخرى في اليمن، لكن باسم المذهب الإسماعيلي مباشرة بقيادة أروى الصليحية، التي حققت إنجازات كبيرة لايزال بعض معالمها واضحاً حتى هذه الأيام.
الذي أطلق الدعوة الفاطمية هو عبدالله المهدي الذي انطلق من بلدة «السلمية» في وسط سورية الحالية، وقصد شمالي إفريقيا هرباً من ملاحقات «القرامطة»، وأسس مدينة المهدية في الجنوب التونسي التي كانت أول عاصمة للدولة التي أقامها، والتي ما لبثت ان تمددت الى مصر، حيث أنشأ المُعِز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة وبنى الجامع الأزهر. كان المفترض أن يسمّي عبدالله المهدي هذا دولته «الدولة الإسماعيلية»، نسبة الى المذهب الشيعي الإسماعيلي الذي اختلف مع المذهب الجعفري الاثني عشري عند الإمام السادس وعليه، لكن لأن «القرامطة»، الذين بالأساس ينتمون الى هذا المذهب والذين ساءت سمعتهم بعد ان أباحوا دماء المسلمين، كانوا مجموعة مكروهة ومرفوضة، فقد سمّى دولته الدولة الفاطمية حتى لا يُحسب على هؤلاء ولا يُحسبون عليه. وحقيقة الدعوة الإسماعيلية كانت هي الدعوة الرئيسية بالنسبة إلى الفِرق والمذاهب الشيعية، في ذروة العصر العباسي، وأنها أقامت بالإضافة الى الدولة الفاطمية، دولة أروى الصليحية في اليمن، وأقامت أيضاً مراكز نفوذ لها في بلاد فارس، أهمها قلعة «أولموت» الشهيرة التي أطلق منها حسن علي الصباح فِرق الحشاشين التي عاثت فساداً في كل الديار الإسلامية، وحاولت اغتيال صلاح الدين الأيوبي بخنجر مسموم، لأنه قبِل التصدي للصليبيّين ووحّد الأمة على المذهب السنّي، وألغى خلافة الفاطميين لحساب الخلافة العباسية. إن تاريخ الدولة الفاطمية تاريخ مشرّف بالفعل، وهي حققت إنجازات عظيمة على صعيد كل رموز الحضارة في ذلك الحين، لكن الخوف كل الخوف عندما يجدد «الأخ قائد الثورة» الدعوة إلى الفاطميين (الإسماعيليين) ودولتهم، من ان يؤدي هذا الى إضافة إسفين جديد في الوحدة الإسلامية، بالإضافة إلى الإسفين الإيراني، حيث وظَّفت الثورة الإيرانية المذهب الشيعي الشريف لخدمة تطلعاتها القومية التي لم تعُد خافية على أحد. كاتب وسياسي أردني