المجلس القادم وإنجازات المايكرو !

نشر في 25-05-2008
آخر تحديث 25-05-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي من حقي كمواطن أن أبدي امتعاضي من نتائج الانتخابات الماضية، ومن حقي أن أعتقد بأن المجلس القادم لن يكون مجلسا تنموياً متميزاً، لكن هذا لا يخولني بطبيعة الحال أن أرفض النتائج، فهذه إرادة الناخبين، وليس أمامي سوى التسليم والقبول بها، مهما كانت سيئة في نظري. في المقابل، من حق أي مواطن آخر أن يعتقد بأن نتائج الانتخابات كانت «عال العال»، وأن المجلس القادم سيكون مجلساً رائعاً بامتياز... من حقه ذلك أيضاً وله أن يقول به. لكن المسألة ليست مبنية على التشاؤم ولا على التفاؤل، فهذان المصطلحان «العاطفيان» لا يصلح استخدامهما في عالم السياسة كما كررت كثيراً في مقالات سابقة، لأن السياسة ضرب من ضروب الإدارة، وفي الإدارة لا مجال للتشاؤم أو التفاؤل، وإنما الأمر رهين بالمعطيات والعلامات والدلائل والمؤشرات، وبالنسبة لي فالمؤشرات والدلائل والعلامات والمعطيات، لا تدل إلا على أننا لم نأت بمجلس قادر على مواجهة ما هو مطلوب منه!

وقبل أن يظهر مَن يرد علي قائلاً إن الانتخابات جاءت بالدكتور الاستشاري والمهندس وأستاذ الجامعة، وغيرهم، فماذا أريد أكثر من ذلك؟! فسأقول إن المسألة ليست مرتبطة بالكفاءات الفردية. نعم، قد يكون هؤلاء متميزين في مجالات تخصصهم الأكاديمية والعلمية، ولكن السؤال المطروح هنا هو ما مدى قدرتهم على العمل في دائرة العمل الجماعي وضمن مفهوم الفريق الواحد، وما مدى قدرتهم على مواجهة الأعباء النيابية العامة، التي تحتاج إلى أكثر بكثير من مجرد التميز التخصصي؟ الطبيب قد ينجح في عيادة طبية، ولكن لا يعني ذلك أن ينجح بالضرورة في البرلمان، والمهندس قد ينجح في تصميم عمارة، ولكن ما علاقة هذا بالبرلمان؟ وأستاذ الجامعة قد يصلح للتدريس والبحث، ولكن أين هذا من البرلمان؟!

أرجو ألا يُساء فهمي، فيُظن بأني أقصد شخصاً أو أشخاصاً بعينهم، أو أني أجزم بأن لا أحد من هؤلاء سيكون ناجحاً على صعيد العمل البرلماني، فهذا أمر لا يمكن القطع به، وقد يكون ممَن وصلوا إلى قبة البرلمان، خصوصاً من الأسماء الجديدة، مَن سيتميز كذلك في العمل النيابي، لكن ما أريد أن أصل إليه وأتوقف عنده هو أن النائب، ومهما بلغ من التميز على مستواه الفردي، فلا يمكن له أن يقدر على تحمل أعباء عمل خُلق لكي يتصدى له فريق متجانس من النواب.

إن واقع برلماننا يؤكد أنه بصورة عامة، مع وجود استثناءات بسيطة، خال من الفرق النيابية المتجانسة، فكراً ومنهجاً، مما أدى إلى أن إنجازاته تكون صغيرة إلى حد كبير، أو أن تستغرق مشاريعه وقتاً طويلاً حتى الوصول إلى الإنجاز. ولعل إخفاقات الكتل البرلمانية التي تتكون تحت قبة البرلمان وتعثرها في الإنجاز أوضح بكثير مما قامت بإنجازه طوال الفترة الماضية، كما أن النواب الذين يعملون بشكل فردي نادراً ما قدموا شيئاً بارزاً ومتميزاً، لانشغالهم بخدمات ناخبيهم مما يجعلهم بعيدين عن القدرة على متابعة ما يطرح من موضوعات ومشاريع ثقيلة تحت قبة البرلمان. كم من نائب نعرفه قام بالتصويت على مشروعات، إما بالرفض أو بالقبول، من دون أن يتسنى له أن يقرأ تفاصيلها ولا أن يدرك أبعادها!

نعم، قد يكون للبرلمان القادم إنجاز هنا أو هناك، ولكنها ستبقى إنجازات «مايكرو» صغيرة جداً، مقارنة بما ينتظره المجتمع ويتطلع إليه الناس من تنمية شاملة تحتاج إلى إنجازات من الحجم «الماكرو» الكبير والضخم جداً!

أتشكك كثيراً بأن تكون الكتل البرلمانية التي ستتكون خلال الفترة المقبلة قادرة على أن تواكب ذلك، لأنها ستبقى عاجزة عن الانسجام التام فكرياً ومنهجياً، وقد شاهدنا كيف تساقطت الكتل البرلمانية في السابق عندما وضعت على محك القضايا الكبرى!

هذا كله يجب أن يدفعنا جميعاً، بفئاتنا وطبقاتنا المختلفة، إن كنا نريد لأوضاعنا العامة أن يستقيم عوجها، أن نتفكر وبعمق بمدى ملاءمة وصحة حراكنا السياسي بالطريقة الحالية.

back to top