ديمقراطية أم سبع أرواح !
العلة الرئيسة في تكرار الأزمات السياسية تتمثل في الفهم المالي لدى العديد من الساسة في السلطتين في ظل ضعف أدوات الرقابة المالية، وأصبحت الثقافة الكويتية في بعدها السياسي أن البرلمان أو الحكومة هما بوابة الثراء السريع والفاحش.وأخيراً تم حل مجلس الأمة بعد صراع مرير مع الأزمات السياسية المتعاقبة التي توالت منذ انطلاقة الفصل التشريعي الأخير، وطبقاً للمادة (107) من الدستور سوف تجرى انتخابات جديدة في غضون شهرين لاختيار مجلس جديد، ومن ثم حكومة جديدة، وهذا هو صلب العملية الديمقراطية في الكويت.
فحل المجلس الذي يعتبر الثالث على التوالي والسادس في عمر الحياة النيابية بعد الاستقلال، ومهما كانت الأسباب والمبررات يظل دليلاً قاصماً على مرجعية الدستور وحتمية الديمقراطية التي لا بديل عنها، فالديمقراطية الكويتية أصبحت «أم سبع أرواح» كما يقال أي لا يمكن قتلها أو تحريفها أو محاولة جعلها مكروهة في وجدان الناس، وقد أثبت الزمان وأكدت الابتلاءات السياسية والتاريخية أن الديمقراطية ودستور 1966 هما الخيار الوحيد الذي يجمع عليه الكويتيون مهما اختلفوا ومهما تناحروا سياسياً وتباينوا في المواقف. ولكن تبقى ثمة أسباب مشتركة لهذا التعثر في المسيرة الديمقراطية ولعل في مقدمتها عدم تجانس السلطتين الدستوريتين في تركيبتهما وفي مكوناتهما الفكرية ورؤيتهما السياسية ونظرتهما المستقبلية، بل في مفهومهما حول طريقة إدارة البلاد والتنظير للسياسة العامة للدولة، وهذا ما كان دائماً وأبداً منبعاً للطلاق السياسي بين المجالس والحكومات المتعاقبة. فدون الخوض في التفاصيل المملة والجدل اللا متناهي، فإن المشكلة الأكبر من ذلك تتمثل في العودة إلى نقطة الصفر بعد كل أزمة بين السلطتين والمؤدية إلى حل المجلس، وكما أثبتت التجارب سواءً بعد حالات الحل الدستوري في الأعوام 1999، 2003، 2006، 2008، 2009 أو في حالات الانقلاب على الدستور عامي 1976، 1986 عادت السلطتان بنفس التركيبة وحملت ذات الخلافات الجوهرية وتكررت حالات الانفصال السياسي على خلفية أسباب الخلاف واستحالة الفهم المتبادل.ولذلك فإن رهان البعض على التغيير في التركيبة البرلمانية بعد أي انتخابات نيابية عامة جديدة قد يكون وهماً أو غشامة سياسية أو حتى مكابرة في تشخيص الواقع الحقيقي، فأقل نسبة تغيير في جميع الانتخابات العامة كانت لا تقل عن 30%، بل وصلت هذه النسبة إلى 75% في بعض الحالات، ولكن بقيت نفس المشاكل والمشاكسات والتباينات وأسباب حل مجلس الأمة هي ذاتها لم تتغير.فقد تتغير الوجوه ولكن لن تتغير التركيبة السياسية والاجتماعية والمناطقية والمذهبية في أي مجلس أمة، وافتقرت مسيرتنا السياسية لمعالجة هذا التشتت في إطار وطني موحد، كما أن أغلبية الحكومات المتعاقبة راهنت على هذا التنوع والتشرذم، فقط للإبقاء على رأس السلطة التنفيذية.والعلة الرئيسة الأخرى في تكرار الأزمات السياسية تتمثل في الفهم المالي لدى العديد من الساسة في السلطتين في ظل ضعف أدوات الرقابة المالية، وأصبحت الثقافة الكويتية في بعدها السياسي أن البرلمان أو الحكومة هما بوابة الثراء السريع والفاحش، ولذا كانت معظم المصادمات وأسباب حل مجالس الأمة تعود إما كلياً وإما لعوامل مرتبطة لتهم الفساد المالي الذي لم يخلُ منه مجلس 2008 أيضاً.ولهذا فإن الرجوع إلى نقطة الصفر حتى بعد الانتخابات المقبلة في مايو 2009 أو ما بعد ذلك دون مواجهة التحديات الحقيقية للديمقراطية والاستفادة من تجارب الفشل لإثراء وتطوير العملية السياسية برمتها من جهة، ودون إحكام منابع التسرب المالي بالقانون والرقابة من جهة ثانية، سوف يتكرر هذا المشهد السياسي القاتم، ويبقى التحدي فيه كما كان في مطلع الستينيات بين حماة الدستور وأنصار الدولة المؤسساتية وبين المطبلين والمتزلفين والمحرضين ضد الديمقراطية مقابل ثمن بخس!