أرجو ألا تذهب بكم الظنون بعيدا، فلست أقصد بالعبارة أعلاه الاستفادة المادية المباشرة، فأنا لاأزال من المؤمنين بنظافة كف المهندس محمد العليم، ولاأزال أؤمن بأنه نفسه الرجل الذي أعرفه منذ سنوات طويلة تمتد إلى ما قبل دخوله إلى عالم السياسة نائبا ثم وزيرا.

Ad

لاأزال أؤمن بنظافة كف وزير الكهرباء والماء وزير النفط، بالرغم من أن الإعلام، بقيادة إحدى الصحف، استطاع خلال الفترة السابقة أن ينسج شبكة معقدة من المستفيدين بحق وبغير حق من هذا المشروع، حتى صار المتابع لما يكتب ويقال يشعر بأنه ما عاد في هذه البلاد شرفاء يتورعون عن ابتلاع المال الحرام!

محمد العليم استفاد من حكاية المصفاة الرابعة بشكل آخر، وبطريقة مختلفة. استفاد استفادة ذهبية جاءته على طبق من فضة مزينة بقطع من الجواهر، وهو يدرك ذلك حق الإدراك.

إلى ما قبل عدة أسابيع والعليم غارق حتى أذنيه في مواجهة حملة انتقادات ضارية للحكومة، وله شخصيا باعتباره وزيرها المختص، لعجزها وعجزه، عن حل مشكلة الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء وإخفاق الحكومة عن تقديم حلول جذرية ونهائية لهذه المشكلة بالرغم من الوفرة المالية والنفطية المهولة التي تنعم بها البلاد في هذه الحقبة من الزمن.

وقد كان محمد العليم، ومع اقتراب موعد رحيله عن الحكومة، حاله في ذلك حال كل الوزراء الذين سبقوه، فلا أحد يستمر في الأغلب أكثر من فترتين وزاريتين، على شفير الخروج من بوابة مجلس الوزراء ليسجله التاريخ في صفحة، لا أريد أن أقول غير مشرفة، إنما سأقول في صفحة غير سارة عن موضوع الكهرباء والماء.

محمد العليم وزير تكنوقراطي فهو مهندس قريب جدا من اختصاص عمل حقائبه الوزارية، وابن لتيار سياسي واسع الانتشار ينطلق من قاعدة شعبية، وبالرغم من ذلك وبالرغم من كثرة التصريحات الحكومية التي تولى إطلاقها شخصيا لتبشر باقتراب الحل الجذري للمشكلة، وبالرغم من ملايين الدنانير التي صرفت على (البروباجاندا) الإعلامية التي يمكن أن تكون أكثر بكثير مما صرف على الحلول الحقيقية، نكتشف أن المشكلة لاتزال قائمة، وأن مسلسل انقطاع الكهرباء لايزال مستمرا، وأن محطات الكهرباء غير قادرة على استيعاب الازدياد العمراني والسكاني المستمر، وأن القدرة المائية في الجانب الآخر كذلك ليست في حالة أفضل على الإطلاق.

محمد العليم، وبكل بساطة، عجز عن حل مشكلتي الكهرباء والمياه حلا نهائيا، وعجز عن أن يقف أمام الناس بكل شجاعة ليبين الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا العجز بالرغم من توافر الموارد المالية وبضخامة مرعبة.

لذلك أقول إن إخفاق محمد العليم وعجزه في حل هاتين المشكلتين كان سيحرجه سياسيا، وربما كان كفيلا بالقضاء عليه في هذا الجانب لو أن كتلة سياسية ما كانت قامت بوضعه على منصة الاستجواب، وكان سيحرج تبعا لذلك الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» باعتباره ممثلها في الحكومة، وربما كان سيكلفها الشيء الكثير على الصعيد الانتخابي.

لذا، فحكاية المصفاة الرابعة، التي نقلت الأنظار بعيدا عن مشكلتي انقطاع الكهرباء وشح المياه، جاءت كهدية معجزة لتنقذ محمد العليم و«حدس».

مشروع المصفاة الرابعة، إن هو أُقِر حتى لو حوى فسادا ماليا في باطنه، فهو سيمر بموافقة مجلس الوزراء برمته، وكذلك لن يكون أول ولا آخر مشروع فاسد يمر على البلاد، وإن لم يُقَر فلن يكون آخر مشروع تنموي يجري حرقه في أتون الصراعات السياسية، لكن مشكلتي الكهرباء والمياه اللتين عجزت الحكومة عن حلهما حتى الآن فهما كانتا ستسجلان تاريخيا على أنهما إخفاق مباشر لمحمد العليم ولـ«حدس» قبل الحكومة.

هل عرفتم الآن كيف استفاد محمد العليم من مشروع المصفاة الرابعة؟!