ديرة البطيخ... والعصفور الإصلاحي!
ما إن يدور نقاش بين مجموعة من المواطنين حول الأوضاع السياسية في البلد، إلا تجد أحدهم ينطق بقرف عبارة يائسة وباعثة على اليأس، مثل «قايلكم... ديرة بطيخ» أو «الديرة رايحة فيها» أو «الديرة مولية»!«ديرة بطيخ» وأخواتها، عبارات لم تنتشر على ألسنتنا من فراغ، إنها تعبير ساخر يعكس درجة اليأس الذي وصل إليها المواطن، نتيجة خيبات أمله المتكررة في أداء وإنتاجية السلطتين التشريعية والتنفيذية طوال عشرين عاما مضت!
ففي كل مرة يستهل السادة النواب والوزراء أعمالهم، بالتأكيد للجميع على عزمهم على الإصلاح وتحسين الأوضاع والقضاء على الفساد، لكن ما يحدث بعد ذلك، هو أن الأيام تمضي والشهور والسنين، فلا يرى المواطن أثرا لفساد انتهى، ولا أثراً لإصلاح «ابتدى»، والوضع برمته يسير من سيئ إلى أسوأ، والتراجع يشمل كل الصعد، ويا قلبي لا تحزن!على مدى سنوات طويلة، والمواطن الطيب يتابع ويترقب بشغف كبير كل صباح تصريحات الوزراء والنواب، علّه يجد البشرى بقرب تحسن الخدمات الصحية والتعليمية والمرورية والإسكانية وغيرها، لكن التصريحات شيء وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر، وما يدور في رأس هذا المواطن البسيط غير ما يدور في رؤوس أهل «البشوت»... «المرتزين» في الصفوف الأولى من قاعة عبدالله السالم، وأهل الصراخ والتهديد والوعيد والحناجر «الكلثومية» من الذين اصطفوا خلفهم! هذا المواطن دون شك «فاهم الموضوع غلط»، فهو ينتظر أن يأتي الإصلاح من الحكومة ومجلس الأمة، غير مدرك أن الإصلاح الحقيقي يأتي من المواطن نفسه، وأن كل البرلمانات والحكومات الجيدة في العالم هي صورة لمجتمعاتها، وانعكاس لمستوى الثقافة، والوعي، والضمير، والحس الوطني الذي يمتلكه المواطن! وأن الإصلاح الحقيقي لا يأتي إلا حين يقوم كل مواطن بدوره الصغير والمحدود الذي يمليه عليه الواجب الوطني، حينها فقط سيأتي الإصلاح بشكل «أوتوماتيكي»، فتتبدل الأوضاع وتتحسن الأمور على مستوى الفرد والجماعة والوطن.لاأزال أتذكر أيها السادة حواراً دار بيني وبين أحد أصحاب النفس «اليائس» أثناء فترة انتخابات مجلس الأمة الأخير، عن ضرورة أن يحسن المرء اختيار مرشحه وفقاً للسمعة الطيبة والكفاءة والمقدرة السياسية التي يتحلى بها المرشح، لكن صاحبنا أصر على أن اختياره سيكون لابن قبيلته فـ«الأقربون أولى بالمعروف»، قلت له لا بأس بذلك إن كان ابن القبيلة يتحلى ببعض ما ذكرت لك من الصفات، فرد عليّ بأنه لا يكترث كثيراً بما سيصنع الرجل في حال وصوله إلى البرلمان، وأن ما يعنيه فقط هو تخليص معاملاته الخاصة ،وأن يجده «هبة ريح» كلما احتاج إليه، ثم ختم كلامه بقوله «يا عمي إنت وأمثالك تبون تصلحون الكون... الديرة رايحة فيها... مولية... دبروا أعماركم وضبط أموركم... وفكونا من هالخرابيط اللي ما توكل خبز»!الحقيقة أن هذا التفكير السلبي الجاهل الأناني، المفتقد لإبسط درجات الوعي والحس الوطني، هو سبب المصائب والمشاكل التي نعيشها كلها، فنحن كمواطنين لا نريد أن نؤدي دورنا وواجبنا في عملية الإصلاح، لا نريد أن نضحي بشيء ولو بسيط من أجل ذلك، نريد دائما أن تنصلح الأمور من تلقاء نفسها، وبواسطة الناس «اللي فوق» فقط، وهو أمر أثبتت التجارب مراراً وتكراراً أنه بعيد المنال و«حامض على بوزنا» تماماً!اقرؤوا معي رعاكم الله هذه الحكاية البسيطة لعل فيها بعض الحكمة والعبرة: يحكى أنه في يوم من أيام الخريف الباردة، لمح فلاح عصفوراً صغيراً مستلقيا على ظهره في منتصف الحقل، فتوقف الفلاح عن الحرث ونظر إلى هذا المخلوق الصغير الضعيف ذي الريش، وسأله «لماذا تستلقي على ظهرك هكذا؟» فأجابه العصفور «سمعت أن السماء ستسقط اليوم» فضحك الفلاح وقال له ساخراً «وهل تظن أن رجليك الصغيرتين النحيلتين ستقيان السماء من السقوط؟» فأجاب العصفور الجريء «على كل منا أن يبذل ما في وسعه». ياله من عصفور إصلاحي... «عقله يوزن بلد»!