انحـدار التعليـم
إن وزارة التربية والتعليم والحكومة تعلمان بوجود ظاهرة الدروس الخصوصية وانتشارها، لكنهما إما غير قادرتين على ضبطها ووقفها، وإما أنهما لا يريان خطورة في هذا الوجود وذلك الانتشار.
في تحقيقين نشرتهما جريدة «القبس» عن تدنـي مستوى التعليم في تاريخين مختلفين تم التركيـز فيهما على التعليم الثانوي في الكويت ومستوى الامتحانات ومشكلة الدروس الخصوصية في هذه المرحلة. فقد ذكر تقرير سابق أن نسبة الذين يتلقون دروساً خصوصية هي 54% من طلبة الثانوية العامة قبل الامتحانات، كان ذلك بتاريخ 19 يونيو 2008، وجاء في استبيان التحقيق الثاني بتاريخ 21 يونيو 2008 أن نسبة الطلبة الذين يتلقون دروساً خصوصية هي 79%. وبغض النظر عن اختلاف النسبة في التحقيقين، فإن النسبة في الحالتين عالية جداً، لكن المهم هو البحث عن أسباب تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية للطلبة في التعليم العام، وقد ذكر التحقيق الثاني أن أسباب الظاهرة من وجهة نظر المعلمين هي تدنـي رواتبهم، وضعف مستوى عدد من المعلمين في المدارس الحكومية، ورغبة بعض الطلبة في التفوق. لكن من المهم أن نضيف إلى الأسباب الوفرة المادية لدى عدد من أولياء الأمور على الرغم من أن بعضهم تؤثر التكاليف في ميزانياتهم، خصوصاً أبناء الطبقة الوسطى.لكن المهم في مثل هذه التحقيقات والاستبيانات تردي أوضاع التعليم في بلداننا، وما الدروس الخصوصية إلا صورة من صور انحدار التعليم، والقضية أكبر وأشمل من الدروس الخصوصية، إذ تتعلق بأهداف الدولة من التعليم واستراتيجية التنمية وموقع مخرجات التعليم فيها. عندما أصبحت حياتنا يسودها التكالب على المال، وتحوّل التعليم إلى أغراض تجارية بتشجيع التعليم الخاص، فإن التعليم الحكومي العام قد تأثر بهذا الوضع، إذ اختلت القيم في مجال التعليم وأصبح همّ الحكومات تخريج الموظفين والتكنوقراط وليس تخريج العلماء والمفكرين والمبدعين، لذا فإن التعليم قد تم استغلاله في موجة الحياة الاستهلاكية وأصبح المعلم يبرر تدريسه دروساً خصوصية للطلبة بضعف الدخل المادي، وإذا كان ذلك صحيحاً في عدد من الدول العربية التي يكون فيها دخل المدرس ضعيفاً جداً قياساً بالجهد الذي يبذله في أهم وأصعب مهنة، فإن استشراء ظاهرة الدروس الخصوصية في دول عربية غنية، فيها دخل المعلمين جيد، غير مبرر على الإطلاق هذا من الناحية المادية. لكن المسألة لا تتوقف عند هذا الأمر بل تمتد إلى القيم لدى الدولة والقائمين على التعليم فيها ولدى أولياء الأمور وأيضاً لدى المعلمين أنفسهم، فهناك رسالة للتعليم، وتخـريبـه بالدروس الخصوصية هو تدمير للتعليم الحكومي من جهة، ويساعد القادرين على سداد أعباء هذه الدروس من أجل الحصول على نتائج أفضل من أولئك الذين لا يستطيعون الدفع للدروس الخصوصية من جهة أخرى... ليبقى أولئك الذين يعتمدون على أنفسهم في التفوق وهؤلاء عددهم محدود.إن وزارة التربية والتعليم والحكومة تعلمان بوجود وانتشار هذه الظاهرة، لكنهما إما غير قادرتين على ضبطها ووقفها، وإما أنهما لا تريان خطورة من وجود هذه الظاهرة وانتشارها.وهناك ظاهرة أخرى في جامعة الكويت على سبيل المثال بدلاً من الدروس الخصوصية، وهي نظام الامتحانات الموضوعية التي لا تتغير فيها الأسئلة للطلبة في الفصول كلها، خصوصاً في الكليات النظرية التي يكون فيها كتب ثابتة مقررة على الطلبة. ولذا نجد أنه ليس هناك رسوب مهما كان مستوى الطلبة، كما أن التقديرات هي في أعلى مستوياتها ولا تقل أغلبها عن B، فتجد طلبة متفوقين يحصلون على تقديرات عالية جداً، ولكن تحصيلهم العلمي ومستواهم الحقيقي متواضع جداً. وأعضاء هيئة التدريس يصرون على ممارسة هذه الامتحانات، إذ لديهم مشكلة علمية يغطون عليها بإعطاء هذه التقديرات العاليـة، وإلا ماذا يعني أن أغلب أولئك الطلبة الذين يحصلون على تقديرات عالية جداً هم أضعف الضعفاء عندما تكون الامتحانات مقالية، ويتعثر بعضهم في دراساتهم العليا؟! لا شك أن هناك أبعاداً أخرى في التصحيح، إن الأزمة ليست مقتصرة على الدروس الخصوصية والامتحانات في التعليم العام، بل أيضاً في التعليم الجامعي، وإن اختلفت نسبة الخطر في مثل تلك الظواهر من مرحلة إلى أخرى.