يبدو أن متاعب جورج بوش لن تنتهي بخروجه من البيت الأبيض في الشهر الأول من السنة القادمة؛ بل إن هذه المتاعب ستلاحقه عندما يخلع عنه بذلة الرئاسة الرسمية ويرتدي ثوب المواطن العادي. فالمعلومات الواردة من واشنطن تشير، في أكثر من اتجاه، إلى جهوزية دعاوى قضائية عديدة سترفع ضده في المحاكم المدنية وفي المحاكم الجزائية. وخصوم بوش شارفوا على الانتهاء من وضع الصيغة، أو الصيغ، الكاملة القانونية والدستورية لتقديمه مع عدد من أبرز أركان إدارته، إلى المحاكمة بتهم مختلفة تبدأ بخرق الدستور، وصولاً إلى الكذب المتعمد على الشعب وانتهاء باتهامه بالتسبب بقتل أربعة آلاف جندي أميركي وجرح أكثر من مائة ألف في حرب غزو العراق.

Ad

المعلومات ذاتها القادمة من العاصمة الأميركية لم تشر إلى الآن إلى عدد الدعاوى المـزمع إقامتها، غير أن هناك من يقول إن هذا العدد قد يزيد على الـ 50، وأنها- أي الدعاوى- ستوزع على محاكم الولايات المختلفة إلى أن تصل إلى قاعة المحكمة العليا التي ستنظر بتهمة القتل العمد عن طريق اختراع أكاذيب وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وهو العذر الذي استخدمته إدارة بوش، بموافقته طبعاً، للقيام بعملية الغزو وتدمير العراق.

كان باستطاعة خصوم بوش تقديم سلسلة الدعاوى هذه مع الأدلة التي يقال إنها ثابتة ومن شأنها أن تقنع هيئة المحلفين، وهو في سدّة الرئاسة وبالتالي طلب إقالته، كما حدث للرئيس الأسبق نيكسون في قضية «ووترغيت» الشهيرة. لكن رأي الخصوم استقر في حينه على عدم الاقدام على ذلك. وحجتهم أنه في حال نجاح إطاحته من البيت الأبيض قبل انتهاء ولايته، سيقفز نائبه ديك تشيني إلى الرئاسة، حسب نصوص الدستور الأميركي، وخصوم بوش يعتبرون تشيني المطلوب رقم واحد للعدالة الأميركية ويأتي بوش في الدرجة الثانية، وأن حيثيات الدعاوى المسندة بالأدلة تطاول تشيتي بالمستوى نفسه الذي يمس بوش.

في الوسط الأميركي السياسي معلومات متداولة يمكن اعتبارها أقل من حقيقة وأكثر من شائعة؛ هذ المعلومات تفيد أن قيادة الحزب الجمهوري العليا تجري اتصالات خفية مع نظيرتها الديمقراطية حول امكانية الحصول على تعهد الرئيس المنتخب أوباما، في حال انتخابه، بتوقيع قرار عفو أو منع محاكمة عن مسؤولي الإدارة السابقة بمن فيهم بوش وتشيني ورايس وغيرهم من كبار المستشارين والموظفين، مدنيين وعسكريين على حد سواء. وتشير المعلومات أن القيادة العليا للحزب الديمقراطي تسلمت شفهياً هذا «الطلب» لكنها واجهته بالصمت إلى يومنا هذا. غير أن حظوظ الوصول إلى «تسوية» مثل هذه كبيرة نظراً لرغبة أوباما الشخصية في ضرورة طي صفحات الجمهوريين السوداء حتى لا تغرق إدارته الجديدة في جدل قانوني يعيق، في الدرجة الأولى، إعادة تجميع الشعب الأميركي لمواجهة الأزمات الحالية والأزمات التي ستقرع باب البيت الابيض بقوة في المستقبل المنظور. كذلك فإن أوباما يرى أن الإقدام على فتح باب المحاكم قد يتسبب في مزيد من الشرذمة والانقسامات الحادة، وهذا ما لا يريده أوباما وكبار القادة في الحزب الديمقراطي.

* * *

عشرات الكتب غصت بها المكتبات الأميركية حول «الجرائم» التي ارتكبتها إدارة بوش بمعرفته وبأوامر منه في أكثر الأحيــان. ولعل الكتاب الذي صدر منذ حوالي شهرين بعنوان «محاكمة جورج دبليو بوش بتهمة القتل» (THE PROSECUTION OF GEORGE W. BUSH FOR MURDER)، هو الأكثر أهمية مقارنة ببقية الكتب، نظراً إلى تاريخ كاتبه ومكانته وصدقيته في التحقيقات الجنائية الإعلامية وإلى ملاحقته القضايا الكبرى وكشف الستار عما خفي أو أخفي منها. والكاتب يدعى فنسنت بوغليوسي (VINCENT BUGLIOSI) ويحمل درجة عالية في القانون الجنائي منذ عام 1964. وخلال عمله في مكتب المدعي العام في لوس أنجليس استطاع بنجاح أن يربح 105 دعاوى من أصل 106 بما فيها 21 دعوى قتل. وقد برز اسمه في حقل التحقيقات الجنائية في السبعينيات ونال شهرة واسعة عندما استطاع ان يكتشف قاتل الممثلة شارون تيت في منزلها بهوليوود، وعرفت القضية حينذاك بقضية شارلز منسن. فيما بعد اتجه نحو التحقيقات الصحافية وأصبح كاتباً يشار إليه بالبنان، مختصاً بالتحقيق في الجرائم الغامضة مما دفعه إلى قمة الشهرة ومازال يتربع عليها، ونالت كتبه مصداقية كبرى لدى دور النشر الأميركية والقراء بحيث أصبح بعضها على لائحة الكتب الأكثر مبيعاً التي تعدها صحيفة «نيويورك تايمز»، خصوصا كتابه حول مقتل الرئيس الأسبق كيندي الذي قالت عنه الصحافة الأميركية في حينه إنه «كتاب العصور». وقد قال عنه واحد من مشاهير المحققين الجنائيين الذين اشتركوا في التحقيق باغتيال كندي:»ليس هناك في أميركا محام استطاع أن يفعل ما فعله بوغليوسي في هذه القضية». بوغليوسي يعيش اليوم مع زوجته غيل (GAIL) في لوس أنجليس حيث قرر أن يختتم حياته المهنية بتقديم بوش وتشيني ورايس الى المحاكم الجنائية بعد خروجهم من البيت الأبيض.

الكتاب بكامله يتحدث عما أسماه «جرائم في العراق». وفي (323) صفحة التي هي الكتاب يتحدث بتفصيل توثيقي عن الأكاذيب التي اختـُرعتْ بمعرفة بوش لتبرير غزو العراق إلى أن يصل إلى القول: «من الناحية القانونية البحتة فإن الرئيس متهم بقتل كل جندي أميركي مات في معارك غزو العراق منذ مارس 2003.. وعلى المحكمة وهيئة المحلفين التي ستـُنشأ أن تقر بأن هذه الجرائم ارتكبت عن قصد وعن تخطيط مسبق». ويتهم الكاتب، ويقدم بعض المستندات لدعم هذا الاتهام، بأن بوش قام بتزوير وثائق مخابراتية لإيجاد علاقة بين صدام حسين وتفجيرات سبتمبر 2001. كما قام بتزوير وثائق مخابراتية أخرى عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق.

قبل أن ينتشر هذا الكتاب أقدم الكاتب على إرسال كتابه إلى معظم ضباط الأمن المعروفين في أميركا للاطلاع والتعليق على محتواه. واعتبرت الصحافة الأميركية هذه الخطوة دليلاً ليس على شجاعة الكاتب فحسب، بل على ثقته الكاملة بما ورد فيه، أيضا. ويقول الكاتب للتدليل على خطورة ما وصل إليه: «ان ما قلته في الكتاب سيحدث صدمة كبرى بالإضافة إلى أنه سيكون مثاراً للجدل في السنوات المقبلة». ثم يحاول أن يثير القراء أكثر فيقول: «أنبّه إلى ضرورة ألا تقرأ الكتاب وأنت واقف على رجليك... لأن محتواه من شأنه أن يخل بتوازنك الجسدي». بوغليوسي أهدى كتابه إلى «آلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين خسروا حياتهم الغالية في حرب لا معنى لها في العراق... وإلى كل الأحباء الذين خلفوا وراءهم تلك الآلام والعذابات التي لن تنتهي.. مع الأمل بأن يساعد هذا الكتاب في جلب هؤلاء المسؤولين الى العدالة».

* * *

هل يُعقل أن يُقدم رئيس جمهورية سابق إلى محكمة جزائية في ظل حكم الإعدام في حال التجريم؟ مؤيدو بوش يصفون الكتاب وكاتبه بالحالم وصاحب الخيال الواسع، ويهزأون به وبكتابه. معارضو بوش يأخذون ما ورد في الكتاب من أدلة ثابتة على تهمة القتل على محمل الجد، ويراهنون على عدالة القضاء الأميركي. في كل الأحوال، فإن الولايات المتحدة معروفة بأنها خليط غير متماسك من الممكن واللاممكن.

* كاتب لبناني