ستواجه السلطة القضائية تحدياً جديداً في أقل من سنة، بالإشراف على العملية الانتخابية المقبلة بنظام الدوائر الخمس، دون أن يسعفها الوقت في دراسة واستخلاص العبر ووضع الحلول للتجربة الأولى التي شابها الكثير من المنغصات والعقبات التي تسببت بمشاكل وجدل حول نتائج الانتخابات الماضية، امتد شهوراً طويلة، وأدى في ما بعد إلى صدور أحكام بنزع عضوية مجلس الأمة عن أعضاء ومنحها لآخرين اختصموا أمام القضاء مشككين في نتائج بعض الدوائر في انتخابات 2008.

Ad

القضاء صحح الأخطاء ومنح كل ذي حق حقه، واعترف بأخطاء بعض منتسبيه في عمليات الفرز وجمع النتائج النهائية، في ممارسة شجاعة تحسب بفخر للصرح القضائي الكويتي ورجاله، ولكن هل يجوز لنا أن نكتفي بذلك ونترك سلبيات العملية الانتخابية بلا معالجة شاملة؟

إن السكوت على الأمر وترك رجال القضاء تحت الضغوط وقلة الإمكانات في عملية الاقتراع، هو بالتأكيد إنهاك واستنزاف لهم قد يصل إلى حد التجريح الذي يترك بلاشك آثاره عليهم عبر التشكيك في قراراتهم في مجريات اليوم الانتخابي، فلا يجوز أن يكلف رجل القضاء بالإشراف على مركز انتخابي منذ السادسة صباحا حتى نهاية فترة الاقتراع في الثامنة مساء بشكل متواصل، ومن ثم يطلب منه أن يقوم بكل انتباه وتركيز بمراقبة عملية الفرز وتجميع نتائج اللجان الفرعية التي تضم الآلاف من المقترعين حتى ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي، دون أن يزلَّ في عمليات حسابية مطولة أو يخطئ.

لذا فإن الحاجة إلى تحرك سريع لمعالجة هذا الأمر هي مطلب مهم يجب أن تتعاون فيه حكومة تصريف الأعمال المكلفة بإدارة العملية الانتخابية مع السلطة القضائية المشرفة عليها بالسرعة المطلوبة، حتى لو تطلب ذلك إصدار مراسيم ضرورة تتعلق بالاستعانة بالوسائل الحديثة وفق ضوابط رقابية محكمة في العملية الانتخابية المقبلة.

كما يمكن الاستعانة بالمنتسبين إلى إدارة الخبراء بوزارة العدل كمعاونين لرجال القضاء في العمليات الفنية والحسابية في عملية الفرز، وتدقيقها في المحاضر النهائية التي تشكل مرجعية النتائج النهائية للانتخابات، حتى نحفظ للقضاء مكانته بعيدا عن النزاع السياسي والتشكيك، ونرحم رجال القضاء مما هو فوق طاقتهم، ويُمكّن البعض من تناولهم بالتجريح أو التشكيك، فهم حصن الدولة الحصين وذخيرتها الأثمن لحفظ كيانها الدستوري والقانوني وحفظ حقوق مواطنيها، والذي لا يجوز أن نعرضه للاستنزاف والضغوط بهذا الشكل دون تحرك من كل الأطراف المعنية.