السيرة الذاتية لطائر الصحراء -34
الدبلوماسي الصعلوك
حينما ابتلع البحر الأبيض المتوسط «آن المجرية» التي أسميتها عروس البحر، وآخر ملكات الإغريق بقيت أنحب طويلا على ساحله المتلاطم واذرف الدمع الحامض لعله يحن ويعيدها إليّ، ولكنني وأنا أجر أذيال الخيبة مبتعدا عن الشاطئ تذكرت أسطورة صحراوية كثيرا ما روتها لنا الجدات حول مواقد النار في ليالي الشتاء، وهي تحكي عن «أم قبيلة آل مرة العريقة» التي لقيها جدهم، علي، في صحراء الربع الخالي حينما كان يبحث عن نياق أضاعها في تلك الصحراء، إذ تقول الأسطورة إن الفارس «علي بن يام» وبينما كان يبحث عن إبله شاهد فتاة تجري بين الرمال وكان يطاردها ذئب أغبر جسور ليأكلها فاستغاثت به فما كان من علي إلا أن جندل الذئب بسيفه البتار، وحينما سأل الفتاة عن قصتها قالت له: «إنني إحدى بنات ملوك الجان خرجت لشأني فلقيني هذا الذئب الذي لولاك لأكلني ولأصبحت من الأموات، وبعد ان اثنت على شجاعة علي سألته عن أمره في هذه الصحراء فقال لها: إنني قد أضعت إبلا، فقدها أحد الرعاة، ومازلت أبحث عنها، وقيل إنها طلبت منه أن يغمض عينيه فهبطت إلى العالم السفلي حيث عالم الجان، وقيل إن والدها ملك الجن قد كافأ عليا بعدد كبير من الإبل، وان عليا قد طلب يدها شريطة الا يذكر «البسملة» أمامها فاتفقا على ذلك وعاشت الجنية مع علي تتنقل مع قبيلته وولدت ابنه (مرة) وذات يوم فاجأها علي وهي تمشط شعرها فهاله المنظر وقال بلا شعور: بسم الله، بسم الله، وقيل إن الجنية اختفت من ذلك اليوم وتركت له ابنه (مرة) ليصبح في ما بعد جد قبيلة مرة الحالية. أقول حزنت على جنية البحر كما حزن علي بن يام على جنية البر وعدت أجر أذيال الخيبة إلى العاصمة دمشق فتوجهت من فوري إلى الصديق سليمان الفهد ووضعت رأسي في حجره وبقيت أنحب حتى جف مالدي من دمع، وكان سليمان الفهد يربت على رأسي كما تفعل الوالدة بطفلها المدلل: «..لابأس.. لابأس يا ولدي فالحزن عليك هو المكتوب، ولعل الله يعوضك بجنية خليجية تخرج لك من ساحل الفنطاس أو ساحل السالمية أو قد تكون هي «آن» ما غيرها فعرائس البحر ينتقلن من بحر الى آخر، لذلك ربما تظهر لك ثانية على الخليج» فقلت له وأنا أنشج: ولكن يا أبا نواف هذا الأمر قد يجعلني مثل عوليس في الأساطير الإغريقية. ثم هل تريد مني أن أبقى تمثالا جامدا على ساحل البحر مثل «أيكاروس» أرقب مجيء جنيات البحار، أم تريد مني أن أصنع أجنحة من شمع وأطير فوق البحار بحثا عن الجنية الشقراء ثم إنني أخاف أن تذيب شمس الكويت اللاهبة أجنحتي وأسقط على الساحل مثلما سقط «أيكاروس». لا أعرف كم استغرقت بالبكاء والنوم، ولكنني استيقظت وكان أبو نواف متربعا في «قعدته» يكرع النارجيلة وكان يجلس أمامه رجل بمنتهى الأناقة عرفني عليه بأنه القائم بالأعمال في السفارة الكويتية في دمشق سعادة الأستاذ «ع. ط» الذي جاء خصوصا ليدعونا الى الغداء وهنا لا أعرف كيف انطلقت شعرا «ليس للصعاليك دعوات السفارات أو واجهات المطارات أو الكرنفالات أو بهرج المرأة الكاشخة ليس للصعاليك غير ملح البحار ورمل الصحار وقول الحقيقة في الجملة الصارخة للصعاليك رقصتهم البربرية حول اتقاد الغضى واتساع الفضا ووقفتهم الصلبة الراسخة للصعاليك ما تحمل الريح من عبق الشيح والاتجاه الصحيح إلى الشمس بالجبهة الشامخة»