إن كان لفئات معينة من أهل الكويت فضل أنهم المؤسسون الأوائل، فلا يمكن منطقا أن نتصور استمرار قيام الدولة وتطورها ونموها إلا على أكتاف من جاؤوا بعد ذلك، سواء ممن حملوا جنسيتها، بل حتى ممن لم يحملوها وعاشوا فيها كمقيمين.

Ad

أكمل اليوم حديثي حول موضوع القبائل وموقعها على الخريطة السياسية، والذي بدأته خلال الفترة السابقة ولقي تفاعلا مشجعا من القراء الكرام، وسأتوقف عند السؤال بهل هناك فئات من المجتمع تنظر إلى نفسها بأنها مَن قامت ببناء الكويت، وأن البدو ليسوا سوى دخلاء طارئين لم يأتوا إلا بعد ظهور النفط؟ وكذلك هل وصول بعض الفئات إلى الكويت، بدواً وغيرهم، بعد ظهور النفط، وحصولهم على الجنسية متأخراً، يجعل منهم مواطنين من درجة أقل؟!

الإجابة عن الجزئية الأولى هي: نعم، بل نعم كبيرة جدا، فهناك من لايزالون يعيشون في فكرة أن هناك فئات بعينها هي من قامت ببناء الكويت، وأن البدو جاؤوا بعد ذلك ليتطفلوا ويمتصوا من خير هذه البلاد، دون أن يقدموا ما عليهم من فروض المواطنة الحقيقية، بل إن للفئات الأولى في كل الأحوال أفضلية على هؤلاء ومن يشابههم من القادمين الجدد، بحكم الأسبقية!

هذه الفكرة على الرغم من استفزازيتها للبعض، فإنها ليست خاطئة في جميع أجزائها، فبالفعل هناك فئات كانت هي الأسبق في وجودها في الكويت ومن ثم في بنائها ووضع ملامح الدولة الحديثة، وبالفعل إن أغلبية أبناء القبائل جاءت متأخرة زمنيا عن هؤلاء، بل ربما إن النظام هو الذي قام بتجنيس الآلاف من البادية، لأنه تصور بأنهم أكثر ولاء له من الطبقة التجارية وأهل الديرة في المجتمع المدني، كما قال د. شملان العيسى أخيرا في صحيفة زميلة، لكن سيبقى السؤال الأهم هنا هو: هل وصول أناس إلى دولة ما، سيجعل منهم مواطنين بدرجة أقل؟ ألا يتناقض هذا مع صميم فكرة الدولة المدنية دولة الدستور والمؤسسات والقانون؟! وهل قيام النظام بتجنيس الآلاف من البادية يشكك في استحقاقهم لجنسية هذه البلاد؟!

أتصور أن الإجابات واضحة. نعم هناك أسبقية تاريخية لفئات معينة من أهل الكويت بالوجود في هذه البقعة من الأرض، وبناء الدولة الحديثة، كما ذكرت، ولهؤلاء تقدير واحترام، لكن هذا لا يمنحهم أي امتيازات أو أفضلية عن غيرهم من الكويتيين، كما أن أهل بادية الكويت من أهلها، ومن مستحقي جنسيتها طالما قامت الدولة الحديثة، ورسمت حدودا جغرافية، وطالما أنهم استقروا في هذه المساحة من الأرض، بغض النظر عن الدوافع الأولى للنظام من وراء تجنيسهم، وتخيلوا لو رفض النظام في ذلك الوقت تجنيس أهل البادية، فأي دولة كانت ستقوم وتكبر بلا شعب يشغلها ويمتد في مساحتها!

إن كان لفئات معينة من أهل الكويت فضل أنهم المؤسسون الأوائل، فلا يمكن منطقا أن نتصور استمرار قيام الدولة وتطورها ونموها إلا على أكتاف من جاؤوا بعد ذلك، سواء ممن حملوا جنسيتها، بل حتى ممن لم يحملوها وعاشوا فيها كمقيمين.

قيمة المواطن الكويتي كائنا من كان، ليست بأصله أو فصله أو تاريخ وصول أجداده إلى هذه الأرض، إنما بمقدار عطائه وإخلاصه لهذا البلد، وبمدى التزامه بحقوق وواجبات المواطنة الحقة، وكل ما عدا ذلك من أمور يقحمها البعض ما هي إلا عوامل فرقة وشتات!

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء