أرى أن الإنسان كلٌ لا يتجزأ، وأن أي شخص في طباعه، أن يأتي الطباع نفسها، في بيته وفي عمله وفي الشارع والسوق وبين أصدقائه، وفي حله وترحاله، وأنه حين يغيّر من طباعه بما تستوجبه الحالة، فإنه يكون في حالة الاستثناء، وسرعان ما يعود، لا إرادياً، إلى ما اعتاد عليه، وإذا ما أخذنا في الحسبان أن أي مجتمع من المجتمعات هو مجموع أفراده، فإن الملمح الأساسي لمسلك أي مجتمع، يتكون من مجموع مسالك وخصال أبنائه، وهذا يمكننا من أن نطلق على المجتمع المصري مقولة: إنه مجتمع ودود يعيش على النكتة، والمجتمع اللبناني بأنه مجتمع يعشق صخب الحياة ومتعها، والمجتمع الإنكليزي بأنه مجتمع مدمن قراءة، وبارد في التعبير عن عواطفه.
إن الناظر إلى الملامح الأساسية في طباع المواطن الكويتي يرى مجموعة من الطباع الظاهرة، التي تشكلت تاريخياً عبر تراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية وأدبية وفنية. وأن هذه الطباع في ظل الانفتاح العالمي لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، باتت واضحة ومعروفة، تطبع الشخصية الكويتية بسمات ٍدالة، وعلى رأس هذه السمات تأتي الشكوى. كل فرد في الأسرة الكويتية يجتر الشكوى: الطفل من المربية، والولد والبنت من المدرس والمدرسة والدروس، والأم من إرهاق البيت والعمل ومتابعة تدريس الأبناء، والأب من مشاكل العمل والواسطة، والأب والأم من مسؤوليات تربية الأبناء، وصعوبة الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار، والأبناء من مضايقات الوالدين، والسائق من معاملة سيده، والخادمة من معاملة سيدتها، دائرة مغلقة. الكل يشتكي من الكل. الموظف من رئيس الشعبة، ورئيس الشعبة من رئيس القسم، ورئيس القسم من المراقب، والمراقب من المدير، والمدير من وكيل الوزارة المساعد، ووكيل الوزارة المساعد من الوكيل، والوكيل من الوزير، والوزير من النائب، والنائب من الناخب، والناخب يشتكي الجميع، دائرة مغلقة. الكويتي يشتكي، الوافد يشتكي، التاجر يشتكي، المشتري يشتكي، البائع يشتكي، شرطي المرور يشتكي، مستخدم الطريق يشتكي، الفقير يشتكي، الغني يشتكي، الموظف يشتكي، العاطل يشتكي، المتدين يشتكي، الليبرالي يشتكي، المثقف يشتكي، غير المثقف يشتكي، الأدباء يشتكون، الفنانون التشكيليون يشتكون، المؤسسة الثقافية الرسمية تشتكي، المؤسسة الثقافية الأهلية تشتكي. المسرحيون يشتكون، والكتاب والصحافيون والرياضيون والأطباء والمهندسون والمحامون والصيادلة والهيئة التمريضية، ودكاترة الجامعة، والمساعدون العلميون، ومدرسو المدارس، النساء والرجال، الكبار والصغار، الأصحاء والمرضى، في الصيف وفي الشتاء، داخل وخارج الكويت. السنّة والشيعة، الحضر والبدو، الجميع يجتر الشكوى، والجميع يشتكي الأوضاع الخاطئة، والجميع متذمر، والجميع يدين الجميع.. شكوى وشكوى وشكوى! أرى أن الكويت جميلة، وأن أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أفضل من أوضاع غيرنا، وأن اللحظة تستحق منا أن نتوقف ولو ليوم واحد من دون شكوى وتذمر. الحلم جميل، والعمل على تحسين وتطوير الواقع الراهن، في مختلف المجالات، مطلوب. الارتقاء بمستوى المؤسسات الرسمية والأهلية أمر حيوي ومُلح، لكن تعالوا نختار يوماً واحداً، ونتفق على أن يمر من دون أن نشتكي، ومن دون أن نجتر هموماً لا تنتهي. أظن أن حياتنا الخاصة والعامة تستحق مثل هذه المحاولة. ومع علمي بصعوبة الاقتراح، إلا أنه قابل للتحقق.
توابل - ثقافات
يومٌ من دون شكوى
03-06-2008