يبدو أننا سنضيف مصطلحاً كويتياً جديداً إلى مصطلحات علم الإدارة هو «الإدارة بالتأجيل». فكثير من مشاكلنا العامة يتم تأجيل حلها عاماً بعد آخر، حتى بلغت حداً يكون معه الحل عسيراً وباهظ التكاليف. والمحزن، أننا نملك المقومات كلها اللازمة لاتخاذ قرارات صائبة، ولكن تنقصنا الإرادة والبعد الاستراتيجي في النظر إلى القضايا العامة، لذا فإن جُل تركيز متخذي القرارات لدينا ينصب على حل المشاكل اليومية التفصيلية البسيطة. والأمثلة هنا كثيرة، سواء ما يتعلق منها بالشأن الاقتصادي أم السياسي أم الاجتماعي... ولكننا سنكتفي بثلاثة أمثلة فقط:

Ad

المثال الأول، هو قضية «البدون» التي تكبر كل يوم وتتخذ أبعاداً مأساوية، لاسيما في الجوانب الإنسانية، مع أننا نسمع في كل مرة كلاماً حكومياً منمقاً، بأن المشكلة توشك على الحل النهائي، ويمطرنا بعض أعضاء مجلس الأمة بالتصريحات المعسولة، بأن هذه القضية ستكون على رأس قائمة أولوياته. ولكن رغم ذلك كله، فإننا لم نر أي حلول لهذه القضية التي أصبحت تشكل مشكلة اجتماعية وسياسية وإنسانية كبيرة، مع أن دولا أخرى في العالم، بما فيها دول خليجية، قضت على هذه المشكلة، وهي في بداياتها، أما نحن فلانزال نطلق الوعود الوردية التي ليس لها أي أثر في الواقع المعيش. فالظروف غير الإنسانية والمعاناة الاجتماعية والنفسية الكبيرة لأفراد هذه المجموعة تنعكس سلبا عليهم وعلى المجتمع ككل. الأمر الذي حدا بمنظمات دولية عدة معنية بحقوق الإنسان للتطرق إلى هذه المسألة. والخوف هنا أن يأتي اليوم الذي تفرض فيه المنظمات الدولية علينا حلولاً خارجية. لذا وفي انتظار الحل الحكومي المؤجل لهذه القضية، فإن المطلوب توفير ظروف إنسانية «للبدون» تتعلق بحقوقهم في العمل والتعليم والتطبيب وتوثيق عقود الزواج وغيرها من الحقوق المتعلقة بالحاجات الأساسية للإنسان.

المثال الثاني، هو مشكلة العمالة المنزلية غير الماهرة التي يزداد عددها عاماً بعد آخر وتعاني هي الأخرى ظروفاً معيشية وإنسانية صعبة جعلت منظمات حقوق الإنسان العالمية وحتى وزارة الخارجية الأميركية تركز عليها في تقاريرها السنوية التي وضعت الكويت ضمن قائمة الدول التي تتاجر بالبشر.

وغني عن البيان هنا، ما يمكن أن تمثله هذه القوى البشرية غير المتجانسة من خلل في التركيبة السكانية ومن مخاطر ثقافية واجتماعية وسياسية، لاسيما أن هذه القوى العاملة غير الماهرة لا تضيف أي قيمة تذكر إلى الاقتصاد الوطني، بل على العكس فإنها تمثل عبئاً كبيراً عليه. لهذا، فإن تأجيل حل قضية المتاجرة بالبشر التي تحوم الشبهات فيها حول شخصيات نافذة، سيُحمِّل الدولة تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية سلبية كبيرة.

أما المثال الثالث، فإنه يتعلق بعلامات الاستفهام الكثيرة التي بدأت توضع على طبيعة الدراسة في بعض الدول العربية والآسيوية ونوعية بعض الشهادات التي يحصل عليها بعض الدارسين هناك. وهي مشكلة موجودة منذ زمن طويل، ولكنها بدأت تبرز علناً هذا العام، الأمر الذي استدعى أن تقوم وزارة التعليم العالي، بالتنسيق مع اللجنة التعليمية في مجلس الأمة، باتخاذ حل مؤقت تمثل في وقف الالتحاق بعدد قليل من الجامعات الخاصة في مصر والبحرين. ولكن هذا الحل المؤقت، لن يقضي على المشكلة الرئيسية، بل إنه سيؤجل انفجارها، لأنه ليس هناك أحد يملك الحق في منع مَن يشاء من البشر في الدراسة على نفقته الخاصة في أي جامعة يختارها، وفي أي دولة من دول العالم. وكان من المفترض، مادامت هذه المشكلة العامة قد أعلنت نفسها، أن يتم التصدي لها، كما ذكرنا في مقال سابق، بشكل جذري من خلال إنشاء هيئة مستقلة للاعتماد الأكاديمي، كما هو معمول به في دول كثيرة في العالم بما فيها بعض دول مجلس التعاون، لأن التأجيل سيضاعف المشكلة وسيجعل حلولها أكثر كلفة.

بعد هذه الأمثلة، ألا تتفقون معي أن مصطلح «الإدارة بالتأجيل»، وهو مصطلح سلبي على أي حال، ينطبق «بجدارة» على ممارسات الإدارة الحكومية لدينا؟!