دبلوماسية حياكة السجاد تحت المجهر النووي!

نشر في 20-04-2009
آخر تحديث 20-04-2009 | 00:00
 محمد صادق الحسيني «على العالم أن يتعايش مع إيران دولة نووية مدنية». هذا ما قاله علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني قبل أيام.

وقبل ذلك بأيام كان الرئيس أحمدي نجاد يضيف «شروطا» جديدة من جانب المفاوض الإيراني إذا ما أراد الغرب أن يفاوض إيران مرة ثانية، لأن «ثمة مستجدات» كما قال طرأت على المشهد النووي الإيراني، وذلك أثناء افتتاحه مصنعا للوقود النووي في مدينة أصفهان بالإضافة إلى اختبار جيلين جديدين من أجهزة الطرد المركزي.

ثم ها هو سعيد جليلي كبير المفاوضين النوويين يهاتف سولانا معربا له عن استعداد إيراني للتفاوض بناء على دعوة الأخير وبحضور مندوب للولايات المتحدة الأميركية بناء على رغبة واشنطن وإلحاحها، فما القصة الواقعية لما يحدث في المشهد النووي الإيراني؟

 لو عدنا إلى الخلف قليلا، وتحديدا إلى ما جرى من توافق غير رسمي وغير مكتوب في أروقة جنيف بحضور الممثل الأميركي الخاص بيرنز حول الملف النووي الإيراني قبل انتخاب أوباما بنحو سنة، فقد كان أكثر من واضح وأكثر من صريح بأن الحرب والخيار العسكري بات وراءنا، إذ إن الأوروبيين وقتها استطاعوا على ما يبدو أن يتوصلوا مع الإيرانيين قبل الاجتماع إلى أشبه ما يسمى بخارطة طريق تنقذ ماء وجه الجميع، ولكن من دون الرضوخ للشرط الأميركي المتمثل بإعلان إيراني بوقف التخصيب أولا قبل الدخول في أي مباحثات جدية، والذي كان في الواقع هو العقبة أمام أي تسوية تنزع فتيل الانفجار مع طهران.

وقتها اجتهد البعض بأن سولانا ممثل مجموعة الدول الأوروبية استطاع أن يساوم الإيرانيين على الاقتصاد مقابل السياسة، وأن يباغت الأميركيين بخارطة الطريق التي اتفق عليها مع الإيرانيين، والتي تقضي بوقف التنمية المضطردة لمشروع التخصيب الإيراني مقابل منع الخيار العسكري.

 كما اجتهد البعض الآخر أيضا بالقول إن ما جرى في جنيف ليس سوى البدايات الطبيعية، لكنها الطويلة والمتعرجة لمسيرة التطبيع بين طهران وواشنطن، والتي حاول سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى سعيد جليلي أن يمررها في نهاية اجتماعات جنيف، من خلال تعليقه المهذب والمبطن حول «فن حياكة السجاد الشاق لكنه الذي ينتج لوحة بديعة»!

أحمدي نجاد إذن الذي استطاع وقتها أن يرمي بالكرة في الملعب الأميركي الداخلي ويجعل التنافس حول الورقة الإيرانية بين الحزبين المتنافسين أكثر حدة وأكثر جدلا يفلت اليوم من أي «عقاب» يدور في مخيلة بقايا المتطرفين الأميركيين، أو حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بعد أن أصبح يمتلك دورة نووية كاملة، بما فيها صناعة الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطات النووية في المستقبل في وقت تظهر فيه الإدارة الأميركية الجديدة المنهكة على جبهتي العراق وأفغانستان أكثر ضعفا وهوانا من أي وقت مضى من أن تساند أو تسمح لربيبتها إسرائيل في الإقدام على حماقة من ممثل ضرب إيران.

 ولكن ما خطة خارطة الطريق تلك، التي تم الاتفاق عليها في حينه بين سولانا وجليلي، والتي دفعت بالأميركيين وقتها ليقعوا في مثل هذا الاضطراب؟! المتابعون والمطلعون على بعض خبايا تلك المفاوضات والمباحثات المتشابكة والالتفافية والمعقدة التي أدارها المفاوض الإيراني في حينها مع المفاوض الأوروبي يقولون إنها تضمنت ما يلي:

أولا: تجاوز مقولة وقف التخصيب التي أصبحت من الماضي كما يردد الإيراني اليوم.

ثانيا: الاعتراف والإذعان بدور إقليمي أساسي لإيران في كل التسويات التي تتعلق بقضايا المنطقة.

ثالثا: السعي لأخذ ضمانات من مجموع قوى المجتمع الدولي بالاعتراف النهائي بالنظام الإيراني، وعدم العمل على زعزعة استقراره أو إسقاطه أو التحريض ضده.

كل ذلك مقابل وقف إيران لبرنامج تنمية المشروع النووي وليس وقف التخصيب، أي عدم التقدم مؤقتا باتجاه التخصيب الصناعي، وعدم الانحراف مطلقا باتجاه التسلح العسكري!

إن من يقرأ مضمون ما أقر به الرئيس الأميركي أوباما أخيرا سواء في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى القادة الإيرانيين في عيدهم القومي أو من خلال مطارحات إسطنبول الأخيرة يجد أن بنود خارطة الطريق التي وضعت أسسها في جنيف قد تحققت، وبالتالي فقد حان الوقت بالنسبة للإيراني للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما وأن يرفع من مستوى نشاطه النووي إلى مرحلة أكثر تقدما، أي صناعة الوقود النووي و إخراج جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي، وهو ما أعلنه أحمدي نجاد بصورة المنتصر والقوي في الذكرى السنوية ليوم التقنية النووية!

وهنا ثمة من يقول مجددا إن المفاوض الإيراني استطاع عمليا أن يحصل على ما يريده من خلال سياسة حافة الهاوية التي كانت تظهر القدرة والقوة الإيرانية باستمرار وسط عالم لا يعرف إلا لغة القوة، بينما خسر الغرب مجتمعا الرهان على وسائل وأساليب التهويل والتهديد سواء بتشديد العقوبات أو التلويح بالقوة العسكرية!

وأخيرا وليس آخرا ثمة من لخص الأمر بأن طهران استطاعت عمليا أن تجعل الزمن يجري وراءها، وأن تجعل دول الروم الحديثة تتفرق على أبواب بلاد فارس من خلال دبلوماسية حياكة السجاد الطويلة النفس، لكنها المضمونة النتائج «لوحة فارسية بامتياز».

أعرف أن هذا الوصف الموضوعي للواقع الإيراني قد يستفز البعض مرة أخرى ويرى فيه تبجيلا أو دعاية أو ترويجا لما يسمونه المشروع الإيراني الإمبراطوري مرة والتوسعي مرة أخرى، والذي يأتي على حساب العرب مرة ثالثة، في الوقت الذي نحن فيه أحوج ما نكون إلى قراءة الأمور كما هي بعيدا عن حبنا أو بغضنا للظواهر التي تتحرك من حولنا سلبا أو إيجابا.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ثمة من سيذهب به الخيال وأمواج الأوهام لترديد مقولة المؤامرة التي لا تنتهي عند البعض ليستنتج من ورائها أن ثمة تواطؤا غربيا لإبقاء إيران تتقدم على حساب العرب! وهي فكرة أدمن عليها البعض بسبب إدمانه على قناعة أن المسلمين والعرب لا يمكن لهم أن ينتصروا، وأن الإسرائيلي والأميركي هو المنتصر دوما، وأنه إذا لم تدمر الإنجازات الكبرى ولم تقصف من قبل العدو فإن ثمة مؤامرة في الأفق.

وبالتالي فهو يريد لإيران أن تُضرَب وأن تُقصَف وأن تبقى دولة عالم ثالثية فقيرة حتى يتضامن معها، وقد ظهر هذا واضحا مع انتصارات «حزب الله» و«حماس» أيضا، فهل نسيتم النظريات التي تم ترويجها عن مؤامرة تضخيم قوة «حزب الله» عمدا من قبل الإسرائيليين يوم اندحروا متقهقرين من جنوب لبنان في العام 2000؟! ألم يقولوا إننا لم ننتصر في العام 2006؟! ألم يكرروا ذلك مع الصمود الأسطوري لـ«حماس» وفصائل المقاومة في غزة؟!

غير أن المتابع الحصيف يعرف تماما أن العد العكسي لهذا التشاؤم قد بدأ، فيما خيار صعود القوى المقاومة يقترب من تحقبق الإنجاز الأكبر في الأفق المنظور، لاسيما إذا ما قرر حكم الليكود المتطرف ارتكاب حماقة من مثل ضرب إيران مثلا!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top