عالم يتأرجح بين زمنين

نشر في 27-04-2009
آخر تحديث 27-04-2009 | 00:00
 محمد صادق الحسيني مرة أخرى تكثف قوى الشر الخفية المرتبطة بالمخابرات الدولية لعبتها القذرة في اتجاه تفجير الساحات الداخلية من خلال تشديد تناقضاتها الثانوية، أو خلق الجديد منها في أكثر من قطر عربي ومسلم في محاولة لشغل أنظار الرأي العام لدينا، بعيدا عن مهمة محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، ومطاردتهم في كل مكان للقبض عليهم، ووضعهم في قفص الاتهام، تمهيدا للخطوة التي باتت أقرب إلى الواقع ألا وهي تفكيك نظام العنصرية البغيض الرابض على صدر أهلنا في فلسطين المحتلة.

فها هو العراق الذي كان يفترض أن يكون المشهد الرئيسي فيه الآن، منظر القوات الغازية وهي تتقهر إلى ما وراء البحار عائدة إلى أوطانها بخفي حنين، يتحول فجأة وبقدرة لعبة المخابرات الدولية القذرة إلى ساحة تفجيرات للأماكن المدنية العامة والقتل الغرائزي المحرك للفتن الطائفية والمذهبية المتنقلة.

وها هي باكستان الظهير الخلفي لـ«القاعدة» والطالبان تتحول فجأة وبقدرة نفس المايسترو إلى ساحة مواجهة بين الأطراف الداخلية المتناقضة، وذلك في إطار خطة باتت مكشوفة هدفها المعلن تمزيق باكستان إلى خمس ولايات، تسلم منها اثنتان إلى الوطن الأم أي الهند، ويتم الإبقاء على ثلاث منها تُقتَّل حتى تُنهك وتُضعف إلى درجة التسليم للقوى الاستعمارية الأجنبية كما كتبت بعض الصحافة والأميركية الموجهة.

وها هو لبنان يوضع تحت المجهر الإسرائيلي– «العربي المعتدل» من بوابة كامب ديفيد وملحقاتها الأمنية والاستخباراتية، في محاولة لمنع معركة التغيير والإصلاح من أن تحقق أهدافها عبر صناديق الاقتراع كما هو متوقع.

وها هي أم القضايا والملفات، حيث يتركز الصراع بين الأمة وأعدائها الأساسيين، يجمد فيها ومن حولها كل شيء، ويمنع حصول أي تقدم على جبهتها حتى لو كان مجرد إعادة إعمار أو فتح معابر للأغراض الإنسانية، من أجل التسهيل على الإسرائيليين وأسيادهم الغربيين، لاسيما الأميركيين منهم، سفر عبورهم المتصدع والمتلكئ من قاع الهزائم وفقدان الردع والهيبة العسكرية إلى سطح التهديد والوعيد، حتى لو بقي في إطار الظاهرة الصوتية.

وها هو السودان يحاصر من كل الجهات وتكثف حملات التبشير بانفجاره من الداخل واحتمال تمزقه إلى كيانات عنصرية وإثنية وطائفية، ويزداد الطرق على رأس الدولة فيه لإجباره على التسليم أو الوقوع في شباك الفتنة المحبوكة من حوله.

وها هي معركة السيطرة على الخلجان والموانئ والمضائق وأعالي البحار انطلاقا من لعبة القراصنة الصوماليين الذين لم يعد أحد من عقلاء القوم يشك في أنهم ليسوا سوى لعبة ممسوكة من نفس اللاعب الدولي الكبير، في إطار المشروع الغربي الكبير الهادف إلى إخراج الدول الاستعمارية العظمى من نفق الأزمة العالمية المالية والاقتصادية الحادة التي تضيق الخناق عليها من كل جانب.

وها هي أخيرا إيران التي تتم إعادة تظهيرها بقدرة نفس المايسترو الخبيث على أنها «عدو» مرادف أو بديل للأميركيين والإسرائيليين، في محاولة يائسة لمنع تخصيبها النووي المتقن محليا والواعد مستقبليا من التحول إلى موسم حصاد مثمر بكل المقاييس وعلى كل المستويات.

الظاهر من المشهد أنهم يتقدمون باتجاه الأهداف المرسومة، لكن العارفين ببعض خبايا الأمور من الراسخين في العلم، يؤكدون أن الأمر لا يعدو عن كونه مظهرا خارجيا يفتقر إلى العمق، وأنه في أحسن الأحوال ليس سوى مرحلة انتقالية تستعد القوى المحلية المقاومة والممانعة، لقلب الطاولة على رؤوس أصحابها الدخلاء أصلا على معادلة التحول والتغيير.

إنه جسر العبور إلى الصراط بين زمنين، زمن الهزائم الذي ولى، وزمن النصر الذي يتجلى.

* الأمين العام لمنتدى الحوار  العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top