القراءة التفصيلية لأرقام وأنماط الاقتراع تشير إلى تطور ملحوظ في ثقافة الناخب، فلم يعد المال كافيا للنجاح بدليل سقوط الكثيرين ممن صرفوا ملايين على حملاتهم الانتخابية، وبالمقابل نجاح مَن لا يملك المبالغ الطائلة. كما نرى فشلاً تاماً لنظرية أن المرأة لا تصوت للمرأة وذلك بالنجاح الباهر الذي حققته د. آسيل العوضي في صناديق النساء في أغلب المناطق.جاءت نتائج انتخابات مجلس الأمة صدمة عنيفة لكل مَن تخيل أن الشعب الكويتي قد استوعب الدرس من الانتخابات السابقة وسيأتي بالأمل والتغيير الذي نحن بأمس الحاجة إليهما. ووصل الأمر ببعضهم إلى درجة اليأس من هذا البلد ومستقبله. ولكني أفضل رؤية النصف الممتلئ من الكأس بدلاً من التحسر على النصف الفارغ.
الحقيقة التي لابد أن نعيها أن الكثيرين قد تعبوا ويئسوا بالفعل من نتائج الديمقراطية، والدليل سعادة الأغلبية في حل المجلس السابق وعزوفهم عن المشاركة في الانتخابات هذه. فنسبة الاقتراع هذا العام هي الأقل في الأعوام العشرة الماضية. أما مَن اقترع فمن الواضح بحثهم عن التجديد بابتعادهم عن انتخاب الرموز القديمة، كما تشير أرقام الكثيرين منهم كالسعدون والشايع مثلاً.
صحيح أننا استبدلنا نواب «حدس» بخليط السلف وممثلي ثوابت الأمة... ولكن لماذا؟ لأن الناس وصلت إلى قناعة بأن الإخوان فشلوا في الاختبار، وهذا بحد ذاته إنجاز تاريخي طال انتظاره منذ الثمانينيات. نجح السلف بأن يكونوا البديل لأنهم غائبون عن الساحة نسبياً ولم يتعرضوا للمتابعة والتحري والتمحيص مثل الإخوان. لذا يمكننا أن نتوقع أن يكون عمرهم أقصر. كما نتوقع، بكل واقعية، قصر عمر هذا المجلس نظراً لعودة أقطاب التأزيم التقليديين كافة.
الأجمل في نظري- وذلك بشهادة الطوائف والأحزاب والتنظيمات كلها- هو غياب الحكومة من التدخل المباشر في العملية الانتخابية وسقوط أقطاب شراء الأصوات ونواب الخدمات الحكوميين. ومن الإيجابيات أيضاً محاولات الحكومة وضع قيود على الفرعيات، رغم فشلها في إدانة مَن شارك فيها وبأي من أطراف شراء الأصوات والرشوة. والأهم هو سقوط أقطاب الفرعيات مما يشير بأمل قادم من القبائل كما سبق أن تنبأنا.
القراءة التفصيلية لأرقام وأنماط الاقتراع تشير إلى تطور ملحوظ في ثقافة الناخب، فلم يعد المال كافيا للنجاح بدليل سقوط الكثيرين ممن صرفوا ملايين على حملاتهم الانتخابية، وبالمقابل نجاح مَن لا يملك المبالغ الطائلة اللازمة للدعايات الفضائية والتلفزيونية. كما نرى فشلاً تاماً لنظرية أن المرأة لا تصوت للمرأة وذلك بالنجاح الباهر الذي حققته د. آسيل العوضي في صناديق النساء في أغلب المناطق.
هذا لا يعني أن النتائج خالية من السلبيات، فالتقسيم الطائفي والقبلي البغيض واضح في النتائج. وضعف الوازع الأخلاقي والمهني أوضح. ولكن الأمل مازال موجوداً والتغيير قادم... وإن لم يكن بالسرعة التي نطمح إليها!