تعددت المسميات والهيئة واحدة
«الحرية الشخصية مكفولة» مادة (30) من الدستور... تُرى هل يعي أعضاء مجلس الأمة الكرام نص وروح هذه المادة الدستورية؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا تنتهك الحرية الشخصية على أيديهم إذن، وإذا كان الجواب بالنفي، فكيف ولماذا أقسموا على احترام الدستور؟غريب نوعا ما وضعنا في الكويت. أعضاء مجلس أمة ينتخبون بناء على نظام ديمقراطي ومن ثم يقسمون على احترام الدستور الذي ينص صراحة على صيانة الحريات المدنية وفي نفس الوقت ينتهكون هذه الحريات ويتدخلون في خصوصيات الناس. والأكثر غرابة أن الحكومة الملزمة بالمحافظة على الدستور والتي تصرح بأنها ستعمل على تحويل الكويت إلى مركز مالي واستثماري، «لم تصدق خبر»، فبعد عمليات انتهاك الحريات الشخصية التي تمت أخيرا قام مسؤولو وزارة تجارتها بشكل غير دستوري باستجواب أصحاب الفنادق حول إقامة بعض النزلاء، وشكّل وزير صحتها لجنة تحقيق غير دستورية في حفل خاص أقامته مجموعة من موظفي أحد المستشفيات الخاصة (لا أعرف بالضبط ما علاقة وزارة الصحة بحفل خاص أقيم بفندق خاص خارج أوقات الدوام الرسمي!).
إننا أمام قضية محورية هنا، فإما احترام الدستور ككل أو عدم احترامه، فهو كل متكامل لا يمكن تجزئته، فأي تجاوز لمادة من مواده يعتبر تجاوزا له ككل. لذا، فمن حقنا أن نتساءل كيف يوافق من يحترم الدستور بأن يشكل المجلس لجنة غير دستورية تسمى لجنة الظواهر السلبية مهمتها التجسس على تصرفات وسلوكيات الناس وانتهاك الحريات الشخصية والعامة التي كفلها الدستور؟ وهي لجنة شبيهة من ناحية الأساليب والأهداف بما يسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن اختلفت المسميات. من ناحية أخرى، ما تعريف أعضاء مجلس الأمة للظواهر السلبية التي تحتاج منهم لتشكيل لجنة خاصة لمحاربتها؟ إن للظاهرة تعريفا علميا من ضمنه أن يشمل السلوك أو الحدث عددا كبيرا من الناس وأن يستمر حدوثه فترة زمنية طويلة نسبيا، فهل الحفل الخاص الذي أقامته مجموعة صغيرة من الموظفين في قاعة خاصة يعتبر ظاهرة؟ وهل دعوة شركة تجارية واحدة لمسابقة غنائية واحدة يعتبر ظاهرة؟ بالطبع لا لكلا السؤالين. أما عن سلبية أو إيجابية الظاهرة (عندما تكون ظاهرة) فتلك عملية نسبية، فما يعتبره البعض سلبيا في حدود القوانين والآداب العامة، قد يعتبره البعض الآخر إيجابيا لأن تحديد ذلك يعتمد على الثقافة الشخصية ودرجة التعليم والتربية والقيم الاجتماعية والأخلاقية التي يحملها الشخص... خذ مثلا الدراسة في الخارج، فقد يعتبرها أحدنا أمرا سلبيا بينما يعتبرها الآخر أمرا إيجابيا. ثم ماذا عن تغير الزمان والمكان هنا؟ فما يعتبر مسلكا إيجابيا في مكان ما (لبس مايوه على شاطئ البحر مثلا) قد يعتبر تصرفا سلبيا في مكان آخر (داخل مجمع تسوق)، كما أن ما قد يعتبر سلبيا في زمان ما (ترشيح المرأة للانتخابات البرلمانية في الكويت قبل ثلاث سنوات) يعتبر إيجابيا في زمان آخر (خلال الانتخابات الأخيرة) وهكذا. فمن الصعب، إذن، علميا تحديد ما هي الظاهرة، ناهيك عن الاتفاق على ما إذا كانت سلبية أم إيجابية. والخوف هو أن يأتي اليوم الذي يدّعي فيه البعض، بعد أن يتجاوز نصوص وروح الدستور، أحقيته بأن يحدد لنا قائمة سلوك بما يعتبره هو سلبيا لنتجنبه وقائمة أخرى بما يعتبره، هو أيضا، إيجابيا لنلتزم به.إن دفاعنا عن الحريات المدنية لا يعني بأي حالة من الأحوال الموافقة على كل ما يقوم به الآخرون من تصرفات، فقد نختلف مع البعض في ما يفعل، ولكننا ندافع عن المبدأ هنا، فالحريات المدنية مبادئ ديمقراطية دستورية سامية يجب حمايتها. لذا نتمنى ألا يكتفي أعضاء المجلس الذين عارضوا إنشاء هذه اللجنة بمجرد تسجيل موقف، بل عليهم أن يخطوا خطوات أكثر عملية، كما نتمنى أن يكون لجميع قوى المجتمع المدني بشتى أشكالها من منظمات مدنية ونقابات عمالية وقوى طلابية دور موحد وداعم للحريات المدنية. أما الحكومة، فإن عليها واجب الدفاع عن الدستور والتصدي للمحاولات المستمرة لإفراغه من محتواه.