السلفية والسياسة من المركبات المثيرة التي تستحق المتابعة والتحليل. فالسياسة بطبيعتها تتطلب المرونة والتفاوض، والفكر السلفي بطبيعته جامد غير قابل للتفاوض. العمل السياسي يتطلب تطوراً وتجدداً بشكل يساير تطور المجتمع والتكنولوجيا، وفي الفكر السلفي (التجديد ضلالة). لذا، فإن العمل السلفي السياسي محتوم بالفشل للتناقض الحاد بين الأداة والفكر الذي يجعل الأداء في غالبه "انتحارياً" بالمنظور السياسي. ولعل أداء أعضاء الجماعات السلفية على اختلافها في المجلس البائد خير مثال على ذلك.

Ad

وبيان ما يسمى "بالحركة السلفية" الأخير مثال آخر على تحجر الفكر وانتحارية الموقف السياسي. ففي الوقت الذي تقف فيه المرأة على أعتاب مجلس الأمة القادم تتفضل "الحركة" بالإعلان عن حرمة التصويت للمرأة وذلك بعد ما يقارب الأربع سنوات من إقرار قانون الانتخابات. وناهيك عما يشكله هذا التصريح من امتهان للمرأة وإنجازاتها وقدراتها، إلا أن المؤشرات الأهم هي موقف الحركة من الدولة ومن النظم الإسلامية الأخرى ومن مفهوم المدنية بشكل عام.

إن اللجوء للفتوى في ظل وجود قانون ودستور هو انقلاب على مؤسسات الدولة المدنية كافة وتأكيد لمفهوم مشوه ومعوق للمواطنة والانتماء. فالانتماء "للحركة" أولاً وأخيراً، وليس للوطن عليهم من سلطان. والحكم هو فقط حكم "شيوخها" أما آراء شيوخ الدين في أغلب الدول العربية والإسلامية فلا تعني لهم شيئاً. وإن سلَّمنا أن عضوية المجلس ولاية عامة، فماذا عن عضوية الحكومة؟ فهل تتجرأ "الحركة" لتقول إن توزير امرأة في السعودية حرام؟ ماذا عن باكستان ومصر وتركيا وغيرها من الدول الإسلامية؟

طبعا لا يمكننا أن نتخيل مناقشتهم بالعلم والممارسات المثلى في الدول المتحضرة التي تثبت دون شك عدم قصور المرأة عن الرجل في التفكير أو اتخاذ القرار أو التصرف لدى الأزمات. بل العكس تماماً. فبعد الأزمة المالية الناتجة عن جشع القيادي الرجل تبحث المؤسسات الكبرى الآن عن العنصر النسائي لقيادتها لما تتمتع به من حس أخلاقي وضمير عاليين. ولكن الأبحاث العلمية "بدعة" طبعا لا يجوز بناء "فتوى" على أساسها.

أعتقد أن تصريح الحركة في هذا التوقيت تحديداً نعمة من السماء ليرى الناخبون أين ولاء وانتماء هؤلاء؟ النعمة الأكبر أنها سببت إحراجاً للحركات الأخرى المتأسلمة والتي لعبت على طرفي الحبل طوال الأعوام الماضية. فما موقف الحركة الدستورية مثلا من فتوى السلف؟ هل تملك الجرأة أن تخرج بفتوى مضادة علناً؟ هل يمكن أن تنتصر للدستور والقانون ولو لمرة في تاريخها؟ إن فعلت قامت ضدها قواعدها في وقت هي في أضعف حال. وإن لم تتخذ موقفاً فستكمل مسيرة الفشل السياسي الذي أصابها منذ الانتخابات الماضية. خياران أحلاهما مر.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء