رهان أوباما الأكبر على باكستان
حصل تغيير أساسي ومهم في قضية باكستان وأفغانستان: قرر المسؤولون الاستخباراتيون لباكستان وأفغانستان العمل سوياً حتى إن لم يكن أحدهم يثق بالآخر كلياً، ضمن علاقة تعاون ثلاثية الأطراف مع وكالة الاستخبارات المركزية.
تمكنت الولايات المتحدة للتو من الحصول على دولة أخرى زبونة، دولة تضم 170 مليون نسمة، وأسلحة نووية، وتمرداً إسلامياً، وأسامة بن لادن. هذه الدولة هي باكستان، وفي الأسبوع الماضي تحولت رسمياً لتصبح مهمة الإنقاذ الأكبر والأكثر إزعاجاً بالنسبة إلى إدارة أوباما.لأشهر، كانت الإدارة تسير ببطء نحو التزام أعمق بأموال الأميركيين، والمدربين العسكريين والمستشارين المدنيين في سبيل دعم الحكومة الباكستانية وقوات الأمن، ليس لأسباب إنسانية بل لمنع الدولة من أن تنجرف إلى أحضان تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان».
وفي الأسبوع الماضي، عُقد اجتماع قمة يضم الرئيس أوباما، والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري والرئيس الأفغاني حميد قرضاي، فبدأت علاقة كانت مترددة ومتعثرة تبدو أشبه بالتزام طويل الأمد.ويعلق الموفد الخاص ريتشارد هولبروك، وهو يتحدث إلى الصحافيين في البيت الأبيض، «لن أقول إن تقدماً بارزاً قد تحقق بل إننا فتحنا صفحة جديدة، فقد تخطى ذلك ما أملنا في تحقيقه».وفي هذا السياق قال كل من هولبروك والجنرال ديفيد بتريوس، القائد العسكري الأميركي في المنطقة، إنه يتوقع الآن أن يرى المزيد من التعاون الباكستاني مع الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد قوات «طالبان» في أفغانستان وحملة عسكرية باكستانية «واسعة النطاق» ضد المتمردين الإسلاميين الذين استولوا على وادي سوات وأجزاء أخرى من شمال باكستان. بالمقابل، ستزيد الولايات المتحدة بشكل دراماتيكي حجم المساعدات التي تقدمها إلى باكستان، العسكرية كما المدنية.غير أن هولبروك، وهو مخضرم في ما يتعلق بقضايا بناء الأمة منذ حرب فيتنام، كان حذراً وأضاف تعليقاً: «السؤال الحقيقي هو، هل سيحقق ذلك أي نتائج؟».للولايات المتحدة وباكستان تاريخ طويل. ففي خلال الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة الأنظمة المحكومة عسكرياً في اسلام أباد، معتبرة أن تحالفها مع باكستان ضروري في سبيل احتواء انتشار الشيوعية. غير أن هذا التحالف مر بفترة جمود استمرت لعقد بسبب سعي باكستان إلى امتلاك أسلحة نووية. بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، قام الرئيس بوش بتحالف غير ملائم مع القائد العسكري لباكستان الجنرال برويز مشرف، سعياً للحصول على مساعدته ضد «القاعدة» و«طالبان». وبموجب هذا التدبير، ترسل القوات المسلحة الباكستانية فاتورة إلى وزارة الدفاع عن عمليات مكافحة التمرد (وتحشو حساب النفقات بمعلومات خاطئة على حد قول مدققي الحسابات الأميركيين).كان الباكستانيون متضايقين من أنهم لم يحصلوا إلا على مساعدة أميركية ضئيلة لمؤسساتهم الديمقراطية المزعزعة أو اقتصادهم وخائفين من أن الولايات المتحدة أحبت الهند، عدوتهم التقليدية، أكثر. لم يرَ الأميركيون أدلة كثيرة تشير إلى أن الباكستانيين كانوا يبحثون عن بن لادن أو يقطعون علاقتهم الاستخباراتية الطويلة والعميقة بحركة «طالبان» الأفغانية. والآن يقول الطرفان إنهما جادان بشأن بناء علاقة أعمق وأشمل. ماذا تغيّر؟ الخوف. فحتى الشهر الماضي، صرف عدد من الباكستانيين النظر عن عمليات التمرد الإسلامية في الأراضي الوعرة الغربية باعتبارها هامشية. لكن بعد أن استولى جزء من أعضاء حركة «طالبان» من الباكستانيين على وادي سوات (القريب من إسلام اباد بقدر هامبتون الشرقية، على حد تعبير هولبروك) وبدأ بالانتقال إلى المناطق المجاورة، أصبحوا أخيراً متنبهين. ويرى بتريوس أنه حتى قبل وادي سوات، بدأت القوات المسلحة الأفغانية بوضع المزيد من الموارد في نضالها العنيف ضد المتمردين في الغرب (مقابل النزاع التقليدي الواسع النطاق مع الهند من الناحية الشرقية). ويتابع بتريوس «كانت القوات الحدودية تحصل على أجر زهيد، لم تكن تتناول ما يكفي من الطعام، أو تحصل على ما يكفي من اللباس والتجهيزات، لكنها الآن تشبه إلى حد بعيد «الجيش النظامي الباكستاني».كذلك لقد حصل تغيير آخر أساسي: قرر المسؤولون الاستخباراتيون لباكستان وأفغانستان العمل سوياً حتى إن لم يكن أحدهم يثق بالآخر كلياً، ضمن علاقة تعاون ثلاثية الأطراف مع وكالة الاستخبارات المركزية. ويُذكر في هذا الإطار أن إدارة أوباما تريد من الأفغانيين والباكستانيين، الذين لا يثق أحدهما بالآخر منذ وقت طويل، التعاون. غير أنه في الأسبوع الماضي، كان الدليل على التقدم المحقق على هذا الصعيد منحصراً إلى حد كبير بالمسائل العادية كالنقل بالشاحنات عبر الحدود والموارد المائية، وقد كانت الحكومتان متباعدتين جداً حتى أن وزيري الداخلية لكل منهما، المسؤولين عن رجال الشرطة، لم يلتقيا أبداً إلى أن جاءا إلى واشنطن.لقد كانت الرسالة الأساسية التي وجهها أوباما إلى الباكستانيين في الأسبوع الماضي تفيد بأنه يقوم «بالتزام دائم»، وليس مجرد تدبير عسكري وجيز آخر، ولا شك في أن هذه الرسالة كانت موجهة أيضاً إلى الجمهور الآخر للرئيس: الكونغرس. وتقترح الادارة تقديم 7.5 مليارات دولار كمساعدات اقتصادية و3 مليارات دولار على الأقل كمساعدة عسكرية لباكستان على مدى السنوات الخمس المقبلة، بزيادة كبيرة على المستويين.من المرجح أن ينجح هذا الاقتراح، أقله في البداية؛ فقد بنت الأحداث التي حصلت في العام الماضي توافقاً في الحزبين على مسعى بارز لإرساء الاستقرار في باكستان، لكن الكونغرس مليء بالمشككين، ليس الجمهوريين فحسب، بل الديمقراطيين الليبراليين أيضاً ممن يملكون ذكريات كثيرة.ثمة أسباب كثيرة لهذه الشكوك، فالمشاكل ضخمة، وسجل إنجازات الحكومة الباكستانية سيئ والأدوات التي بين يدي الحكومة الأميركية قليلة، وبالتالي قد توازي الـ7.5 مليارات دولار كمساعدة اقتصادية 9 دولارات لكل باكستاني سنوياً.لكن هذه الجولة قد تكون مختلفة. حتى الآن، كانت باكستان على هامش الهواجس الأميركية؛ أما الآن فباتت هاجساً أساسياً، وحتى الآن صرف قادة الجيش الباكستاني النظر عن المتمردين الإسلاميين باعتبارهم مصدر إزعاج ثانوي؛ غير أن مسألة وادي سوات بدأت تبدل بعض الآراء بشأن هذه القضية، وكذلك نحن بعيدون جداً عن الأيام التي أثنى فيها بوش على مشرف باعتباره رجلاً عظيماً؛ والتي لم يفز فيها زرداري أرمل بنازير بوتو الذي لا يتمتع بالجاذبية، بأي دعم مماثل. لقد تبنى أوباما مشاكل باكستان وكأنها مشاكله لكنه فعل ذلك على الأقل وهو مفتوح العينين.* دويل ماكمانوس | Doyle McManus