من سوء حظ الشيخ ناصر أنه كان على رأس الحكومة في هذا الوقت الصعب والعاصف بالذات، في مقابل مسؤوليات متشابكة وشائكة، نعلم جميعا أن كثيرا منها يخرج عن نطاق سيطرته، في ظل صراعات معروفة في داخل الأسرة، وعدم انسجام في داخل الحكومة، وعدم تعاون من قبل البرلمان.

Ad

ما كنت لأخوض في دوافع النائب أحمد المليفي وراء تقديمه لاستجواب رئيس الوزراء في هذا الوقت الصعب والملابسات العسيرة التي تمر بها الحياة السياسية والاقتصادية في الكويت، لأن ذلك وبكل بساطة ليس من حقي ولا من حق أحد، فالله وحده علام الغيوب والمطلع على السرائر، ومن حق المليفي بالنهاية أن يتقدم باستجوابه لأنها أداة نيابية كفلها الدستور.

لكن في المقابل، يمكنني أن أقول إن المليفي قد جانبه الصواب والحصافة السياسية، في تقديمه لهذا الاستجواب، بل أعتقد أنه قد خسر كثيرا، وسيخسر أكثر من جراء ذلك في حين أن من المؤكد أنه كان يرى نفسه سيخرج رابحا. وحين أتكلم عن الربح والخسارة هنا فأنا أقصدهما على مستوى الرصيد البرلماني الشعبي، وليس على أي مستوى آخر قد يذهب إليه تفكير البعض.

لا أقول ذلك بسبب اتهام البعض للمليفي بأنه مجرد أداة لأطراف مستترة، وإن كانت معروفة، تهدف إلى ضرب رئيس الوزراء، فهذا الزعم يبقى بالنسبة لي مجرد تخرصات لا تقوم على دليل، وبالتالي ما كنت لأبني عليها استنتاجا ولا لأقيم عليها تحليلا، لكنني أقوله من باب تحليل فكرة الاستجواب بشكل مباشر.

من الخطأ الكبير أن يتصور أحد أن مجرد رحيل رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، سيقود البلاد إلى الخروج من أزمتها، فجذور أزمتنا تمتد إلى سنوات طويلة من قبل مجيء الشيخ ناصر، وهي جذور تنبثق من شكل النظام السياسي وطبيعة الممارسة التي كانت تقوم عليها العلاقة بين السلطتين، وبالتالي فانفجار الأزمات في هذا الوقت بالذات لم يكن إلا تحصيل حاصل، ونتيجة متحصلة لا راد لها لأن الأمر لم يكن إلا مسألة وقت.

من سوء حظ الشيخ ناصر أنه كان على رأس الحكومة في هذا الوقت الصعب والعاصف بالذات، في مقابل مسؤوليات متشابكة وشائكة، نعلم جميعا أن كثيرا منها يخرج عن نطاق سيطرته، في ظل صراعات معروفة في داخل الأسرة، وعدم انسجام في داخل الحكومة، وعدم تعاون من قبل البرلمان، بالإضافة إلى ظروف عالمية وإقليمية صعبة للغاية، ازدادت ظلاما في الأيام الماضية.

نعم هناك انتقادات لأداء الشيخ ناصر على المستوى الإداري، وأنا ممن كتبوا عن ذلك، ولكن يشهد من اقتربوا منه، بتوجهاتهم المختلفة، بأن الرجل يتميز بقابلية للاستماع وبصدر رحب لكل الآراء، وأنه لا يتردد في سلك أي طريق يتضح أنه الطريق الأفضل للمصلحة العامة.

لا يحمل الرجل أجندة عداء لتيار على حساب تيار، ولم يكن يوما محسوبا على قوى الفساد التي كثر الحديث عنها، لذلك فعلى من يظن، أو يحاول أن يصور، أن رحيل الشيخ ناصر سيجعل الشمس تشرق والأنهار تجري والأشجار تثمر، أن يتوقف ليحدثنا عما سيحمله المستقبل من آفاق وبدائل، فنحن نعلم أن أصول اللعبة، حتى إن رحل الرجل، لن تتغير وأن جذور الأزمات لاتزال ممتدة وبعمق في ثرى الواقع، وبالتالي فمن حقنا أن نتساءل عن كيف سيكون القادم أجمل؟!