حوار الطرشان!
لم يسفر حوار القاهرة الفلسطيني- الفلسطيني عن أي شيء يمس جوهر القضايا الحقيقية، فالمواقف لاتزال على حالها والخلاف، سواء بالنسبة إلى الحكومة التي تسمى مرة حكومة الوحدة الوطنية، ومرة أخرى حكومة الوفاق الوطني، أو بالنسبة الى ضرورة التزام هذه الحكومة إن هي تشكلت ورأت النور، لايزال محتدماً، وهناك قناعة لدى الذين يتابعون الأمور عن قرب بأن لا أمل إطلاقاً في إمكانية حصول انفراج ينتشل الأوضاع الفلسطينية من الواقع المأساوي الذي انتهت إليه.لقد ملَّ المتحاورون بعضهم بعضاً ولقد ملَّتهم الفنادق التي ينزلون فيها ولقد بات الحوار بينهم كتكرار الألحان من اسطوانة مشروخة وحقيقة ان ما انتهى إليه هذا الحوار الذي غدا كحوار الطرشان كان معروفاً، فالمسألة ليست ان طرفاً قوي الحجة عليه ان يقنع الطرف الآخر بوجهة نظره، إن المسألة ان هذا الحوار في جانب كبير منه يشبه مسرح العرائس حيث الذين يمسكون بالخيوط من وراء الكواليس هم الذين يحركون دمى تضحك وتبكي بأصوات غير أصواتها.
كان الاعتقاد ان الانفراج في العلاقات العربية- العربية وبخاصة بعد قمة الرياض الرباعية سيعكس نفسه على الحالة الفلسطينية، وعلى هذه الحوارات والمفاوضات لكن ثبت بعد مشوار طويل أجهد خلاله المتحاورون أنفسهم وأتعبوا الدولة التي تستضيفهم ان خيوط «حماس» وحركة الجهاد الإسلامي وهما الفصيلان الموجودان فعلاً على الطرف الآخر مقابل «فتح» وتحالفها بيد إيران وليس بيد حتى سورية التي تستضيف في دمشق هذين الفصيلين بالإضافة الى الفصائل الوهمية الأخرى. لم تستطع إيران حتى الآن إقحام نفسها رقماً رئيسياً على معادلة قمة الدوحة المقبلة رغم محاولات التسلل الدؤوبة التي قامت بها بعض الدول التي احترفت «السَّمسرة» السياسية، ولذلك فإنها بادرت الى استخدام تأثيرها الفاعل على مسرح عرائس حوارات القاهرة الفلسطينية- الفلسطينية والهدف هو إفهام الذين تصدوا لمحاولات تسللها، وأيضاً إفهام الولايات المتحدة والغرب والشرق أنها هي صاحبة العقد والحل في فلسطين ولبنان والعراق وأنها وحدها القادرة على التأزيم والتهدئة. وهكذا فربما ان رئيس الاستخبارات المصرية الذي ذهب الى واشنطن بمهمة تتعلق أساساً بالرئيس السوداني عمر البشير وبالمحكمة الدولية، قد سمع من دينيس روس، الذي غدا المندوب السامي الأميركي في الخليجين العربي والفارسي، أن عليه أن يبحث عن مفتاح انفراج الحالة الفلسطينية في ثنايا عمامة الولي الفقيه في طهران، وانه على مصر ألَّا تضيع وقتها في السعي الى إقناع الفصائل التي تعتبر دمشقية وهي في حقيقة الأمر، سياسة ومواقف وقرارات حاسمة، لا مرجعية لها إلا مرجعية السيد مرشد الثورة. إن كل هذه الحوارات، التي جرت في القاهرة والتي قد تُستأنف بالنِّصاب الكامل أو برؤساء وقادة الفصائل أو من ينوب عنهم في أي وقت، هي مجرد مضيعة وقت، فالقرار بالنسبة الى جماعة «الممانعة» من بين هؤلاء المتحاورين هو قرار إيران، والواضح ان إيران التي تمكنت من اختطاف الحالة الفلسطينية بعد اختطاف الحالة العراقية والحالة اللبنانية لا يمكن ان تسلم مفتاح الانفراج لا لمصر ولا لأي جهة عربية، ولا حتى للولايات المتحدة الأميركية ما لم تحصل على الشروط التي تريدها وهي شروط تعجيزية من غير الممكن القبول بها لأن القبول يعتبر مساً بسيادة العرب وكرامتهم! كاتب وسياسي أردني