هلَّت مواسم الخير الكويتية

نشر في 20-05-2009
آخر تحديث 20-05-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

بالأمس جَنَت الكويت ما زرعته منذ عام 1961 حتى الآن.

وبالأمس كان نهار الكويت أبيض ناصعاً.

وبالأمس كان هناك عرس كبير للديمقراطية العربية الخليجية في الكويت.

وبالأمس حققت المرأة الكويتية أكبر انتصاراتها السياسية، وفتحت الباب أمام المرأة الخليجية لكي تلج الباب نفسه بكل شجاعة.

فالخليج وحدة واحدة رغم كل هذه الحدود، والقيود، والسدود.

وبالأمس كان انتصار المرأة الكويتية ليس للكويت فقط، ولكنه للمرأة العربية التي أصبحت الشغل الشاغل للتيار الأصولي، الذي تراجع في الكويت، مقابل هذا الانتصار الكبير للمرأة الكويتية.

-2-

في عام 2005، دخلت الكويت عصر الحداثة السياسية من أوسع أبوابها، عندما صوّت مجلس الأمة الكويتي بعد ست سنوات من المرسوم الأميري لمصلحة قانون انتخاب وترشيح المرأة الكويتية في المجالس البلدية والمجالس التشريعية، لكي يُفتح الباب أمام المرأة الكويتية لولوج الحداثة السياسية، وارتقاء مناصب الوزارة والسفارة والقضاء... إلخ.

وها هي المرأة الكويتية بالأمس، قد دخلت مجلس الأمة من أوسع أبوابه بفوز أربع نساء، هن: معصومة المبارك، وسلوى الجسّار، وأسيل العوضي، ورولا الدشتي، وهذا الفوز العظيم، يأتي بعد خسارات كثيرة، لم تفتَّ في عضد الحركة النسوية الكويتية، وكان آخرها انتخابات 2006 التشريعية وما بعدها، حيث لم تفز امرأة واحدة من ضمن عدد لا بأس به من المرشحات. وما كنا ننتظر من المجتمع الكويتي بين ليلة وضحاها، ومنذ أول انتخابات تشريعية تشارك فيها المرأة بثمان وعشرين مرشحة، و195 ألف ناخبة وبنسبة 57 % من إجمالي عدد الناخبين، أن ينتخب المجتمع امرأة للبرلمان الكويتي. فكان الطريق ومازال طويلاً، في 2006.

-3-

لم أكن حزيناً يومها، لأنه لم تنجح المرأة الكويتية في الانتخابات التشريعية 2006 وما بعدها، وقلت في 2006، من المؤكد أنها ستنجح في الدورات القادمة، وكانت توقعاتي صائبة، وفازت المرأة الكويتية بالأمس هذا الفوز العظيم.

وفي حقيقة الأمر، فالمرأة الكويتية قد نجحت في هذه الانتخابات، لأنها امتلكت الشجاعة الكافية لترشيح نفسها.

ونجحت المرأة الكويتية، لأنها لم تسمع هذه المرة لفتاوى بعض رجال الدين الذين أرغموها على أن تنتخب من يُشير عليه زوجها.

ونجحت المرأة الكويتية هذه المرأة لأنها قدمت نفسها للمجتمع الكويتي كعنصر سياسي قادر على الدفاع عن مكتسبات هذا المجتمع، وقد سبق أن قدمت نفسها كأستاذة جامعية، ومحامية، وطبيبة، وناشطة سياسية، ومدافعة عن حقوق الإنسان.

-4-

لقد كان أمراً مستغرباً طيلة السنوات الماضية كيف أن المرأة الكويتية لم تنل حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة رغم رغبة الدولة والحكومة منذ سنوات طويلة، خصوصا بعد تحرير الكويت عام 1991. فالمجتمع الكويتي أكثر المجتمعات الخليجية انفتاحاً وإعطاء للفرص الكاملة للمرأة في العمل والعلم.

فالمرأة الكويتية كانت من أولى نساء الخليج اللاتي خرجن لتلقي العلم خارج الكويت، وكانت الطالبة الكويتية في معاهد العلم الأجنبية في العالم العربي كالجامعة الأميركية في بيروت والقاهرة من الطالبات المتميزات في شدة إقبالهن على العلم والتفوق، كما شكَّلت الطالبة الكويتية أكبر نسبة من طالبات الخليج اللائي درسن في جامعات الغرب، وحصلن على أعلى الشهادات.

والمرأة الكويتية هي المرأة الخليجية الوحيدة التي كانت تذهب إلى جامعة حكومية مختلطة (جامعة الكويت) إلى أن تم منع الاختلاط بعد 1992، وبفضل التيار الديني (الذي اعتبر أن من أسباب الغزو، هذا الخروج للمرأة!)، والذي لا يريد للمرأة إلا أن تلزم بيتها (مكانك تُحمدي) و(البحصة في مكانها قنطار) وتُكرّس حياتها للعلَف والخلَف!

-5-

وكل هذا التقدم السياسي للمرأة الكويتية، من نتائج إصرار وشجاعة أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، الذي تبنّى قانون ترشيح وانتخاب المرأة الكويتية عام 2005، ونجح في أن يجعله قانوناً دستورياً. وبذا، أرسى مدماكاً كبيراً في أسس الديمقراطية الكويتية. ولم يتم فرض قانون ترشيح وانتخاب المرأة فرضاً قسريا، دون موافقة مجلس الأمةً. وبذا أثبت هذا الإجراء الشواهد التالية:

1- أن الديمقراطية في الكويت «ديمقراطية صلاحيات» وليست «ديمقراطية إجراءات»، و«ديمقراطية الصلاحيات» هي التي تتيح لمجلس الأمة أن يقول لا، ويعترض على أي قانون يُفرض عليه من أي جهة، في حين أن «ديمقراطية الإجراءات» هي الديمقراطية المزوّرة التي بموجبها يتخذ الحاكم قراراً قطعياً نافذاً، وما على ممثلي الأمة- إن وجدوا- إلا أن يبصموا عليه.

2- أن الكويت دولة عشائرية لها عاداتها وتقاليدها وأعرافها، التي تكوّن أساس ما يضبط الحياة، وأن الدولة تراعي هذه العادات والتقاليد والأعراف، وتتجنب المساس بها، وتسلك الطريق الديمقراطي لتحسين مستوى هذه الأعراف والتقاليد والعادات.

3- تريد الكويت بديمقراطيتها العريقة أن تكون المثال المحتذى بين دول مجلس التعاون، وكون الكويت أصبحت هي المثال الحداثي السياسي الخليجي، فعلى خطواتها أن تكون محسوبة جيداً، داخل المجتمع الكويتي، حتى لا يقال إن الدولة تريد فرض ما لا يريده الشارع الكويتي.

-6-

لقد وُلدت الكويت لأول مرة الولادة السياسية عام 1961، حين نالت الاستقلال، وُولدت للمرة الثانية الولادة الديمقراطية، حين أقرت الدستور وإنشاء مجلس الأمة عام 1962.

وُولدت للمرة الثالثة الولادة التحريرية الكبرى، عند تحريرها من غزو صدام عام 1991، وُولدت للمرة الرابعة حين أقرت قانون ترشيح وانتخاب المرأة الكويتية عام 2005.

وها هي تُولد اليوم للمرة الخامسة، بفوز أربع نساء لمجلس الأمة للمرة الأولى في تاريخ الكويت.

وستبقى الكويت الأم المباركة الولاّدة دائماً.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top