ما قل ودل: الزلزال الذي حدث في المفاهيم والثقافة الانتخابية
- القانون لا يخلق سلوكاً أو ثقافة
القانون لايخلق سلوكاً ولا يخلق ثقافة، ولا يستطيع أن يمنع سلوكا أو ثقافة، قاعدة ليست أصدق منها فيما جرى على الساحة الانتخابية منذ أيام، وهي المعركة الثالثة من المعارك الانتخابية التي خاضتها المرأة الكويتية للمشاركة السياسية في شؤون الحكم، بعد صدور القانون رقم (17) لسنة 2005 بتعديل قانون الانتخابات، لمنحها حق الانتخاب والترشيح لمجلس الأمة بثلاث سنوات.الانتخابات الأولى جرت في يونيو عام 2006 بمشاركة المرأة في الانتخاب والترشيح، ولم تفز المرأة في هذه الانتخابات بأي مقعد، كما لم يحالفها التوفيق بالفوز بأي مقعد في الانتخابات التالية التي جرت في شهر مايو سنة 2008.- أداء د. معصومة المبارك ونورية الصبيحإلا أن المرأة احتلت مقعدين في مجلس الأمة خلال هذه الفترة بتقليدها منصبين وزاريين هما الصحة والتربية، لتفوز من خلال أدائها لعملها في الحكومة والبرلمان بثقة الأمة بعد أن فازت بثقة الأمير.نعم كانت ممارسة الوزيرتين د. معصومة مبارك ونورية الصبيح لعملهما في الإشراف على شؤون وزارتيهما والقيام بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيهما ورسم اتجاهات الوزارتين والإشراف على تنفيذها، والأداء السياسي الرائع للدكتورة نورية الصبيح في الرد على الاستجواب الذي وُجِّه إليها، أكبر الأثر في تغيير المفاهيم والثقافة الانتخابية لدى المرأة والرجل على السواء.- الزلزال الذي حدثوبإرادة الصبر والتحدي، خاضت المرأة الكويتية معركتها الانتخابية الثالثة للفصل التشريعي الثاني عشر، بشجاعة وثقة المقتدر المطمئن إلى حقها في المشاركة في الحياة العامة وفي شؤون الحكم، جنباً إلى جنب مع الرجل، وهي نصف المجتمع، إن لم تكن أكثر وفقاً لجداول الانتخاب، التي يزيد فيها عدد الناخبات على عدد الناخبين.ولكن ما حدث في السادس عشر من الشهر الجاري لم يكن فوزاً للمرأه بأربعة مقاعد فحسب، بل كان زلزالاً بدأ في المفاهيم والثقافة الانتخابية. فوسط عزوف رموز وطنية كثيرة من الرجال عن خوض الانتخابات الأخيرة، التي خاضوا غمار مثلها من قبل، ودانت لهم نتائجها، وفقدان 22 نائباً سابقاً في مجلس 2008 لمقاعدهم في المجلس الجديد، منهم 14 عزفوا عن خوضها، تقف المرأة شامخة لتفوز بأربعة مقاعد فيه، تمثل 8% من مقاعده، وكانت الخامسة د.ذكرى الرشيدي قاب قوسين أو أدنى من النجاح.ووسط تراجع عدد مَن صوَّتوا للمرشحين المخضرمين، عن العدد الذي حصلوا عليه في انتخابات سنة 2008، بنسبة وصلت إلى 41.7% بالنسبة إلى أحدهم، تقف المرأة شامخة بعدد مَن صوتوا لها في انتخابات 2009، بالمقارنة بالانتخابات التي خاضتها في 2008، حيث يزيد عدد مَن صوتوا للدكتورة ذكرى الرشيدي بنسبة 212.7%، والدكتورة أسيل العوضي بنسبة 129.3%، والدكتورة سلوى الجسار بنسبة 115.6%، والدكتورة رولا دشتي بنسبة 71.7% عن الأصوات التي حصلن عليها في انتخابات 2008.وبحسبة بسيطة، فإن عدد من صوَّتوا للمرشحات الخمس (معصومة وأسيل ورولا وسلوى وذكرى)، بلغ 45184 (خمسة وأربعون ألفاً ومئة وأربعة وثمانون صوتاً) حصلن عليها في انتخابات 2009 بزيادة نسبتها 323.34% عن انتخابات 2008. وتقف د. معصومة مبارك الفائزة الأولى في الدائره الأولى شامخة بين نظرائها في الدوائر الأربع الأخرى بحصولها على نسبة 20% من أصوات الناخبين في دائرتها، وهي نسبة تقدمت فيها اثنين من نظرائها الرجال على رأس دائرتين أخريين وتساوت في نسبتها مع نائب ثالث من النواب المخضرمين في الحياة البرلمانية، كان على رأس الفائزين في دائرته. - نواب خاضوا معها معركتهاولم يكن حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية أمراً سهل المنال، بل كان مخاض نضال طويل للمرأة لإثبات وجودها في كل المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، وعبر محاولات عديدة لمنحها حقوقها السياسية تقديراً لجهودها في خدمة وطنها. كانت أولى هذه المحاولات عندما دعا بعض نواب الأمة في عام 1975 إلى المطالبة بمنح المرأة حقها السياسي، حين قدم النائبان جاسم القطامي وراشد الفرحان في 15/2/1975 اقتراحاً بقانون بمنح المرأة حق الانتخاب والترشيح لمجلس الأمة، من أجل ترسيخ الممارسة الديمقراطية وتوسيع قاعدتها والدفع بها إلى مزيد من التطور والتقدم، حسبما جاء في المذكرة الإيضاحية للاقتراح بقانون سالف الذكر، إلا أن هذا الاقتراح لم يناقش في المجلس إلى أن انتهى الفصل التشريعي بعد بضعة شهور.وقدم النائب أحمد الطخيم في الفصل التشريعي الخامس (81 - 85) اقتراحاً بقانون مماثل لم تتوافر لإقراره عند التصويت عليه الأغلبية المطلوبة.- المكرمة الأميرية:ثم كانت المكرمة الأميرية التي توَّجت كفاح المرأة لحصولها على حقوقها السياسية عندما تفضل صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، فأمر بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية كافة في الانتخاب والترشيح، تقديراً من سموه حسبما جاء في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1999 للدور الحيوي والمهم الذي تضطلع به في بناء وتنمية المجتمع الكويتي والارتقاء به، وماقدمته من تضحيات جسيمة ودور مسؤول إزاء التحديات المختلفة التي تعرضت لها البلاد على مدى تاريخ هذا البلد الطيب والذي مثلت فيه روح الوطنية والمسؤولية الحقة.- المرسوم والصراع السياسيوبناء على هذه المكرمة، صدر المرسوم بقانون رقم 9 لسنة 1999 بتعديل قانون الانتخاب لمنح المرأة كل حقوقها السياسية، الذي عُمل به اعتباراً من 25/5/1999 الأمر الذي لم تتح فيه الفرصة لتعديل جداول الانتخاب ليتسنى للمرأة الترشيح في الانتخابات التي جرت للفصل التشريعي التاسع، وهو المرسوم بقانون، الذي تباينت ردود الفعل حوله، حيث اعتبره البعض بداية ساخنة للفصل التشريعي التاسع (1999 - 2003)، ويفتح أول ملفات الصراع السياسي بين الأصوليين والليبراليين، واعتبره البعض دعوه للتأزيم بين السلطتين.ونجح النواب المعارضون لحقوق المرأة السياسية في رفض إقرار مجلس الأمة المرسوم بقانون سالف الذكر، بجلسة المجلس المعقودة بتاريخ 23/11/1999 وفقاً للصلاحية المقررة للمجلس بموجب المادة (71) من الدستور.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء