ما هو العيب أو الخطأ في أن يُنتخب سلفا كير رئيساً للسودان، فالرجل سودانيٌّ، مع أنه ورث جون قرنق في زعامة الحركة الجنوبية التي قاتلت الدولة المركزية سنوات طويلة والمفترض ان الدستور الساري المفعول في السودان يضع السودانيين على قدم المساواة ولا يفرق بن جنوبي وشمالي، ولا بين زنجي وعربي، ولا بين مسلم ومسيحي، فالأساس هو مدى الولاء للوطن ومدى الارتباط به وبهمومه وبحاضره ومستقبله.

Ad

إنه لا يجوز استغراب ان يذهب سلفا كير الى خيار الانفصال بالجنوب عن الدولة السودانية إن هو مُنعَ من ترشيح نفسه لموقع رئيس الجمهورية أو أُسقط في انتخابات مزورة على غرار ما يحصل دائماً في انتخابات الأرقام الفلكية التي عرفتها كثير من الدول العربية، والتي يجري من خلالها تكريس القادة الملهمين ومبعوثي العناية الإلهية في المواقع التي احتلوها من خلال أبراج الدبابات وبالحديد والنار بنسَبٍ تصل الى مئة في المئة، وكأنه في ذلك اليوم الانتخابي لم ينتقل الى جوار ربه أي مواطن «عزيز» ولم يُصب آخر برشح أو بوعكة صحية تمنعهُ المشاركة في ذلك «العرس الديمقراطي»!!.

حتى الآن ورغم انتخابه رئيساً للعراق مرة أخرى، فإن كثيرين عرباً وعراقيين لم يهضموا بعد أن يصبح الكردي جلال الطالباني رئيساً للجمهورية العراقية مع أنه عراقي وابن للعراق حتى بحكم التاريخ الذي يعود إلى ألوف السنين، وهذه هي «الشيفونية» المرفوضة بعينها، وهذا هو الذي جعل الأكراد العراقيين يثورون على السلطة المركزية في بغداد سنوات طويلة.

كيف يمكن التغني بالديمقراطية الأميركية التي فتحت الطريق أمام شاب طموحٍ من أصول كينية وإسلامية ليصل الى البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه يُواجَهُ ترشح سلفا كير لرئاسة الجمهورية في السودان بالاستغراب والاستهجان مع أنه سوداني ابن سودانية، ويواجه وصول جلال الطالباني الى رئاسة الدولة العراقية بزمِّ الشفاه وقلبها، وبالتبرم والرفض مع أنه عراقي، ومع أن البديل عن عدم استيعاب الأكراد في إطار وطنية العراق هو الانفصال... وليحْصل ما سيحصل؟!.

إما ان يستوعب الوطن وأي وطن كل أبنائه وعلى أساس «لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى»... والتقوى في هذا العصر هي الولاء والوطنية الصادقة، وإلا فإن هذه الدول العربية الفسيفسائية المجتمعات سوف تتشظى كتشظي إبريق فخاري يسقط من الطابق الألف، وستقوم دولة قبطية في مصر ودولة علوية في سورية ودولة شوافع في اليمن ودولة أباضية في الجزائر، وعشرات الدول الطائفية في لبنان، فحكاية لنا الإمارة ولكم الوزارة حكاية قديمة عفى عليها الزمن، وعندما يعتبر فخراً للعرب أن يصبح سوري او فلسطيني أو لبناني رئيساً لإحدى دول أميركا اللاتينية فإن الأولى أن يأخذ القبطي حقه في وطنه، وكذلك الكردي والعلوي والزنجي والمسيحي حيث وجد.

* كاتب وسياسي أردني