زي النهارده... تراجيديا الإنسان أمام القدر

نشر في 31-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 31-10-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين «زي النهارده» تجربة سينمائية جديدة، تحمل طموحا فكرياً وجمالياً على رغم محدودية إمكانات الإنتاج. الفيلم من إخراج عمرو سلامة وتأليفه ومونتاجه، وهو التجربة السينمائية الأولى لهذا الشاب الموهوب.

التصوير لأحمد جبر والموسيقى التصويرية لهاني عادل والديكور لشيرين فرغل، وكلهم تضافروا بروح جديدة لتقديم عمل سينمائي مغاير. يقدم الفيلم معالجة معاصرة لتراجيديا الإنسان أمام القدر، من خلال بطلته مي (بسمة) التي تحاول الهروب من قدر تشعر أنه يتربص بها فتحاول وتتحايل طوال الوقت، لكن عبثاً تحاول!

أطراف «اللعبة» في مواجهة القدر، بالإضافة إلى مي، أمها (مها أبو عوف)، أخوها محمد (آسر ياسين) وخطيبها الأول أيمن (نبيل عيسى) ثم خطيبها الثاني ياسر (أحمد الفيشاوي).

ترصد مي في مذكراتها أحداث حياتها، والمفاجأة أن ذلك كله يتكرر ثانية وبترتيب مماثل، فالأخ الذي يعكر صفو الحياة عليها وعلى والدتها، يدمن على المخدرات، ولا يكف عن الضغط عليهما للحصول على المال بحجة أنه يطالب بحقه، وحين تعطيه أخته ذلك «الحق» وأكثر، يعود الى ممارسة الضغوط بمختلف الأشكال. في ظل تلك الملابسات وأجواء المشادات العنيفة والصراعات، تفقد الفتاة خطيبها الأول بسبب أخيها ويسقط الفتى صريعاً، لكن روحه وقصته معها التي خطفت قلبها وحياتها لا تغيبان عنها أبداً، وهي تروي في مذكراتها أنها بعد مصرع خطيبها أيمن كادت تجنّ ومرت بتحوّلات وآلام بلغت بها في النهاية نوعاً من اللامبالاة، إنه الألم النفسي بلا حدود، والمرض النفسي الذي بدأت تشفى منه، مع بداية تعرّفها الى ياسر الشاب الذي أصبح خطيبها الثاني في ما بعد. المشكلة التي حاصرت مي، وكادت تعصف بها، إدراكها أن أحداثاً صغيرة وكبيرة، تعود وتتكرر، فخشيت أن يذهب ضحيتها خطيبها الثاني مثلما ذهب الأول.

عندما يفاجأ الأخ بحمل خطيبته (أروى جودة) التي ذهب معها بعيداً في الإدمان، يحاول انتشال نفسه وحبيبته ووليدهما المقبل، فيدخل في تجربة قاسية معها ومع إرادته للتخلص من آثار المخدرات، لكنه يفشل، بل ويفقد حبيبته في خضمّ ذلك، ويجد نفسه السبب في موتها، ويعود إلى تهديد أخته وأمها وابتزازهما بقسوة وجنون أكبر، فتحاول مي راضخة مساعدته وتستجيب لمطالبه كلها بدءاً بإعطائه المال وصولاً إلى مساعدته في الهرب خارج البلاد... ذلك كله بالتوازي مع عودتها إلى (تواريخ) الأحداث التي مرت بها سابقاً، فتجد الآن أحداثاً مماثلة تماماً للماضي. تصارع مي الأحوال وتتفادى الأقدار، ويحركها بقوة دافع إنقاذ خطيبها ياسر ونجاته من تكرار المصير، المرعب بقتله، فكل شيء يتكرر، وحياة خطيبها هي الباقية فحسب، وهو والآخرون لا يفهمونها. لكن مي لم تدرك أن محاولتها تفادي الأقدار، ستؤدي الى أن تفتدي الخطيب بنفسها، وهي تغمض عينيها في النهاية مودعة، باسمة، وتقول آخر كلماتها: إنها الآن «مبسوطة»... راضية.

وظف عمرو سلامة عناصر فيلمه الفنية كلها بعناية فائقة، للتعبير عن موضوعه ومعالجته، وتحكّم كمخرج وكمونيتر أيضاً في إيقاع فيلمه الذي جاء محكماًسواء في سرعة إيقاعه أحياناً أو في لحظات الهدوء أحياناً أخرى. وبقدر ما ركز المخرج على المونتاج، ركّز على الضوء والألوان وصبّ اهتمامه في توظيف اللون درامياً بإضفاء درجات الأزرق على أحداث كثيرة، والأصفر على مشاهد المدمن وحبيبته... وظهرت مقدرته بوضوح في اختيار الممثلين وتوجيههم، فأكد موهبة نجمين جديدين هما آسر ياسين وأروى جودة، وأظهر وجهاً جديداً مهماً هو نبيل عيسى، وقدم مشاهد جيدة أداها أبو عوف وعبد العزيز مخيون وأحمد الفيشاوي. أما بسمة فحققت في بطولتها للفيلم مستوى رفيعاً في الأداء، وإحساساً مرهفاً.

back to top