الداعون إلى الانغلاق و«التحصين» باتوا يقتلون الإبداع الذي كان موجوداً بينناً، فأمور كالفن والثقافة لا معنى لها في قواميسهم. فالفن حرام ولا يتعدى الزخارف الإسلامية وفن الخط العربي، والثقافة لا تتعدى جناح «دار الأرقم» في معرض الكتاب الإسلامي لجمعية إحياء التراث.يبدو أن النائب الفاضل مبارك الوعلان بدأ يحس بقرب انتهاء النزاع على الكرسي النيابي لمنطقته، بينه وبين المرشح عسكر العنزي، فبتنا نرى تكثيفاً في التصريحات «شبه اليومية» للوعلان، في محاولة- على ما يبدو أيضاً- للقول «أنا نائب.. وأنا موجود» والتمتع في ما قد يكون آخر أيامه على «كراسي العز» كما زميله مسلم البراك.
آخر التصريحات المعلبة للوعلان، والتي ترسلها وتكتبها نيابة عنه إحدى شركات العلاقات العامة، هي ذاتها التي كانت ترسل تصريحات عدد من نواب الحركة الدستورية الإسلامية في المجلس الماضي كخضير العنزي، وجمال الكندري وحملة ترشيد أيضاً... آخر التصريحات تنتقد ما يعرضه تلفزيون الكويت من مسلسلات خلال شهر رمضان المبارك، إذ يشدد الوعلان على ضرورة «الالتزام بالضوابط الشرعية والدينية لهذا الشهر (وكأن الضوابط مقصورة على هذا الشهر فقط)، وأن تزداد فيه جرعة البرامج الدينية»، منتقداً عرض المسلسلات، و«أن يقوم التلفزيون بإلهاء المشاهدين ويضيع عليهم فرصة التقرب الى الله»، مضيفاً أن تلفزيون الكويت «ينغص على الصائم ويجعله مشتت البال!» ويكمل الوعلان «الدراما التلفزيونية تمثل الطُعم الذي يتم من خلاله اصطياد المشاهد وجعله يجلس (متسمراً) أمام شاشة التلفاز ناسياً أن وراءه صلاة»!
يقول الكويتيون «اللي بقلبه الصلاة ما تطوفه»، وهو مَثل ينطبق حرفياً على تصريح النائب الوعلان، فأي مؤمن هذا الذي يتشتت باله وينسى صلاته ولا يعرف مصلحته بسبب... تلفزيون! فالخلل هنا في الشخص وليس في التلفزيون.
وإذا سلمنا بأن تلفزيون الكويت اهتدى لرأي النائب وقام بعرض «برامج دينية على مدار الساعة»، كما اقترح في تصريحه، فما العمل مع الفضائيات «الماجنة»؟ هل نمنع التلفزيونات ونكتفي بتلفزيون كبير في ساحة العلم للكويتيين؟
إن ما يطالب به النائب مبارك الوعلان ويحصره في شهر رمضان، ذهب إليه نواب آخرون بأبعد من ذلك ليكون مستمراً طوال السنة، وأذكر جيداً حوارا مع النائب حسن جوهر في مجلس الأمة الماضي بعد اجتماع اللجنة التعليمية بالمجلس، إذ قال جوهر آنذاك إن اللجنة بحثت مع مسؤولين من وزارة الإعلام كيفية منع القنوات الفضائية التي لا تتفق مع عاداتنا وتقاليدنا، وعندما سألناه «كيف؟»، قال «لا بد من وجود طريقة». وهذه الفكرة موجودة لدى العديد من النواب والمسؤولين، واعتقادهم أنه «بكبسة زر» نستطيع أن نبيح ونمنع، بمنتهى البساطة، التعامل مع التطور العالمي وأبسط مبادئ التكنولوجيا التي فرضها العالم المنفتح.
وبالسذاجة ذاتها يعتقد بعضهم أنه إذا منعت كتباً من معرض الكتاب فقد «حصنت المجتمع»، وكذلك إن قطعت بعض الجمل واللقطات من الأفلام المعروضة في دور السينما، أو بمنع بعض المواقع الإلكترونية، متناسين أن هناك طائرات نسافر بها لنأتي بأي كتاب أو فيلم نريد الحصول عليه، وبأن هناك 20 طريقة للتغلب على منع المواقع الإلكترونية.
وبخلاف ذلك، فإن الداعين إلى الإنغلاق و«التحصين» باتوا يقتلون الإبداع الذي كان موجوداً بينناً، فأمور كالفن والثقافة لا معنى لها في قواميسهم، فالفن حرام ولا يتعدى الزخارف الإسلامية وفن الخط العربي، والثقافة لا تتعدى جناح «دار الأرقم» في معرض الكتاب الإسلامي لجمعية إحياء التراث... وإن «كثّروا» «مكتبة الشناكل» بالجابرية! إن الإبداع- أياً كان شكله، واتفقنا معه أم لم نتفق- هو نتاج لعقل يفكر، وهو ما يكاد يكون مفقوداً لدينا بعد أن كنا رواداً لأننا لم نحتكر الحقيقة والفضيلة، إلا أن الأصل هو إطلاق الفكر والانفتاح على العالم والتعامل معه بعقل، والأهم ألا يعتقد بعضهم أنه يملك مفاتيح الجنة وأنه الوصي على أخلاق المجتمع، لأن قتل الإبداع في المجتمع يؤدي إلى ذبحه... وها نحن على أعتاب ذلك.. ذبح إسلامي.