محافظ المركزي يشرّع سياسة!

نشر في 10-02-2009
آخر تحديث 10-02-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر كيف يمكن للدورة الاقتصادية أن تستعيد انتعاشها من خلال المستهلك الذي يشكل عصب السوق، والأغلبية العظمى من المستهلكين مكبلة بقيود القروض، ومن دخل منهم صندوق المعسرين ازداد عسراً؟

محافظ بنك الكويت المركزي شخصية اقتصادية مرموقة، ويتمتع بقدرات فنية عالية وتحليلاته المالية في الغالب موضوعية، وتفرض احترامها في الأوساط المتخصصة، ولكن وكما هي الحال في مجتمعنا المسيّس حتى أخمص قدميه يعرض السيد المحافظ نفسه مخاطر المؤثرات السياسية، ويفقد بريقه الفضي الذي طالما يتحلى به مثل مسكوكات البنك المعدنية الجديدة عندما يستجيب للأوامر السياسية، ويكيف المطلوب منه فنياً بغطاء لا يستطيع الدفاع عنه.

فخلال مناقشة قانون صندوق المعسرين في مجلس الأمة حاول المحافظ أن يضع الشمس في يد والقمر في اليد الأخرى للنواب والجمهور الكويتي، والادعاء بأن المقترح الحكومي سوف ينتشل الغرقى من أصحاب القروض الشخصية، وإذا بذاك القانون يسجل فشلاً ذريعاً، ولتلحق لعنة المدينين الصغار بأصحاب الشركات الاستثمارية الكبرى!

واليوم يعلن السيد المحافظ مسوقاً للقانون الحكومي بشأن إنقاذ الاقتصاد الوطني أو ما سماه بتعزيز الاستقرار بأن الفرج الاقتصادي بات وشيكاً في حالة إقرار هذا المشروع الحكومي، وما استوقفني من كلام المحافظ هو التناقض الذي قد يكون قاتلاً بين البعد الفني للقانون المقترح وبعده السياسي، وقد لا يكون هذا القانون فاشلاً في حيز التطبيق فحسب، إنما يبدد المليارات من الدنانير في العهد الجديد من العجز في الموازنة العامة للدولة.

فالسيد المحافظ يقول إن كلفة القانون على الدولة لن تتجاوز 1.5مليار دينار، في حين أن مشروع الإنقاذ يتطلب ما قيمته من 5 إلى 7 مليارات دينار نقداً وعدّاً، وهذا المبلغ إما يحتاج إلى ضمانات حكومية وإما إلى زيادة رأس مال البنوك، وهنا سوف تظهر الملاءة المالية للكثير من الشركات ورجال الأعمال الذين يصيحون اليوم بالويل والثبور، أو قد تجبر الحكومة على تقديم تلك المبالغ لاحقاً!

ويضيف المحافظ بأن من يستفيد من المشروع الحكومي القادم هو الشركات المليئة صاحبة الاقتصاد المنتج، ولا يشمل الشركات المضاربة في البورصة أو العاملة في مجال العقار!! ووفق هذه الشروط لا يعرف أي من الشركات سوف تستفيد من مشروع الإنقاذ: هل هي شركات صناعة السيارات والقطارات أم مصانع الحديد والصلب أم شركات إنتاج الكمبيوترات والرقائق الإلكترونية أم غيرها من شركات الإنتاج؟!

كما أن شعبية «حدس» سوف تكون أفضل في حالة حل المجلس على خلفية قضايا شعبية مهمة، فالكل يعلم أن جميع الشركات الكويتية في القطاع الخاص إما أنها قائمة على الاستيراد والتصدير وإما أنها شركات مقاولات للمشاريع الحكومية وإما كونها تمارس الائتمان والإجارة، ومعظمها تضارب في البورصة وتتاجر بالعقار، فهل سوف يتم تطبيق القانون الجديد عليها؟ وكم منها سوف يستفيد في حال استيفاء التعريف العلمي والحقيقي لمعنى الاقتصاد المنتج؟!

وكيف يمكن للدورة الاقتصادية أن تستعيد انتعاشها من خلال المستهلك الذي يشكل عصب السوق، والأغلبية العظمى من المستهلكين مكبلة بقيود القروض، ومن دخل منهم صندوق المعسرين ازداد عسراً؟

ولذا، نتمنى من السيد المحافظ أن يقدم عرضاً مبسطاً في مجلس الأمة، وبلغة عامة أفراد الشعب، يشرح خلاله الفوائد التي سوف يجنيها كل ركن من أركان الاقتصاد الوطني بدءاً بالبنوك المحلية، ومروراً بالشركات وانتهاءً بالمواطن العادي، وتأثير ذلك على إنتاجية الاقتصاد ككل، وفرص العمل فيه، واستمراره في بناء البنية التحية، وتحفيز القوة الشرائية للمواطن، وذلك بعيداً عن الإملاءات السياسية الحكومية التي أصبح ضررها اليوم غير محمود العواقب.

back to top