طوال العقد الماضي، قمت بأربع عشرة رحلة إلى كوبا لإعداد تقارير، وتحدثت إلى منشقين، ومفكرين، وأصحاب متاجر، ومئات غيرهم في قطاعات ذلك المجتمع كافة، وأجريت مقابلات أيضاً مع قادة حكوميين على غرار فيديل كاسترو وآخرين بارزين، وتبّين من خلال هذه اللقاءات أن كوبا مستعدة لبناء علاقة جديدة معنا.
توجّه الرئيس أوباما إلى قمّة الأميركتين الأسبوع الفائت لإعادة هيبة الولايات المتحدة في هذا الجانب من الكرة الأرضية عبر التعهّد بصياغة علاقة جديدة بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية. صرّح أوباما خلال حفل افتتاح القمة في ترينيداد وتوباغو: «لا يوجد في علاقاتنا من يفوق الآخر مرتبةً، ثمة التزام فحسب مبني على الاحترام المتبادل والمصالح والقيم المشتركة»، لكن قادة الدول الثلاث والثلاثين الأخرى المشاركة حثت الرئيس الأميركي على تحويل أقواله إلى أفعال، لأن بلدانهم سبق أن سمعت بهذا الخطاب. وعد الرئيس جيمس مونرو، في خطاب «حالة الاتحاد» الذي ألقاه في عام 1823، بحماية أميركا اللاتينية من القوى الأوروبية، لكن على الرغم من أن «مبدأ مونرو» نجح إلى حد كبير في تحقيق ذلك، فقد مهّد لنحو 200 عام من الهيمنة الأميركية في المنطقة. لذلك، حضّ قادة دول أميركا اللاتينية، الواحد تلو الآخر، أوباما على إثبات ما تعهّد به عبر حل المسألة الأكثر إثارة للجدل في المنطقة: الحصار السياسي والاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ نصف قرن على كوبا. الطريق إلى النجاحعلى أوباما أن يدرك اليوم، في حال كان يجهل ذلك حين شدّ رحاله إلى القمة، أن الطريق الدبلوماسية إلى أميركا اللاتينية يمر عبر كوبا، سعى أوباما على ما يبدو، عبر أمره برفع القيود التي تمنع الأميركيين من أصل كوبي من السفر إلى كوبا قبل أيام فقط على مغادرته إلى القمة، إلى حذف مسألة الحصار من لائحة أولويات أجندة المؤتمر، لكن ذلك الإجراء غير المكتمل سلّط الضوء على مدى شكوكية سياسة تعطي الأميركيين الكوبيين حقاً وتحرم جميع الأميركيين الآخرين تقريباً منه. قد يكون أوباما نجا من هذه الخطوة الخاطئة عبر الفرصة التي أتاحتها، إذ قال الرئيس الكوبي راؤول كاسترو عشية القمة، التي استُبعدت كوبا منها، بأنه مستعد للخوض في حوار مفتوح مع إدارة أوباما. يذكر: «وجّهنا رسائل إلى الحكومة الأميركية سراً وعلانيةً بأننا مستعدون للنقاش حول المسائل كافة متى رغبوا في ذلك: حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، والسجناء السياسيين، كل شيء، كل ما يرغبون التحدث في بشأنه». الحوار المفتوحهذا بالضبط ما يجب أن يقوم به أوباما ليبرهن مدى جديته بشأن ما ألقاه على مسامع القادة اللاتينيين: «لا يجب أن نبقى سجناء خلافاتنا الماضية». سيُختبَر استعداد أوباما لنسيان الماضي عبر المسافة التي تضعها الحكومة بين اللغة الدبلوماسية الملتبسة التي تجعل الولايات المتحدة تحاول خنق الحياة الاقتصادية في كوبا الشيوعية، والطلب في الوقت عينه إلى الصين الشيوعية بإعانة الدين الأميركي مالياً، ويرى قادة أميركا اللاتينيون في ذلك نوعاً من الرياء، وكذلك يجب أن يفعل أوباما. طوال العقد الماضي، قمت بأربع عشرة رحلة إلى كوبا لإعداد تقارير، وتحدثت إلى منشقين، ومفكرين، وأصحاب متاجر، ومئات غيرهم في قطاعات ذلك المجتمع كافة، وأجريت مقابلات أيضاً مع قادة حكوميين على غرار فيديل كاسترو؛ وريكاردو ألاركون، رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)؛ وروبن روبن ريميجيو فيرو، رئيس القضاة في المحكمة العليا في كوبا، وتبّين من خلال هذه اللقاءات بأن كوبا مستعدة لبناء علاقة جديدة معنا.لذلك لا يجب تجاهل استعداد كاسترو للتحدث بشأن المواضيع الساخنة التي أبقت أمتينا على خلاف لنحو نصف قرن من الزمن، فإن كان أوباما سينأى بنفسه عن الرؤساء الأميركيين الآخرين الذين خاطبوا دول أميركا اللاتينية بلهجة تكبر واستخفاف، فعليه وضع حد للخلاف القديم العهد بين الولايات المتحدة وكوبا.
مقالات
كوبا... الأساس لعلاقات أفضل مع أميركا اللاتينية
23-04-2009