وباء «الصمم الوطني»
ما يحدث من حولنا، خصوصا في الأيام الأخيرة، جعلني أعتقد أن هناك وباءً مستشرياً في البلد يسبب للناس صمماً يجعلهم لا يسمعون ما يقال وما يدور من حولهم من صخب وضجيج يملأ الساحة الوطنية، والمخاطر الجدية التي تحدق بنا، فالكويت على مِرجل يغلي، والحوارات حول ضرر الانتخابات الفرعية والممارسات العرقية وآثارها السلبية تقدم البراهين على خطورتها... ولكن هناك من وضع «أذن من طين... وأذن من عجين» وأقام انتخاباته الفرعية أو ما أسماها بالتشاورية دون أن يرد على أحد أو يسمع أحدا.
والأغلبية تتحدث عن وجوه نيابية وسياسية يجب أن تنتهي مرحلتها مشكورةً، بعد أن شغلت مواقع على مدى 40 عاما تقريبا، شابها العديد من الإخفاقات والتأزم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فتراهم مجددا منتشين من خلف زحمة المايكروفونات وفلاشات التصوير يعلنون خوضهم مجدداً لغمار العمل البرلماني، وحفلة المطبلين تصاحبهم في وسائل الإعلام وقائمة على «قدمين وساقين» لتبشّر بعهدهم المقبل ومشروعهم القديم-الجديد.والبلد كذلك يزخر بالحديث عن مخاطر الممارسات الطائفية والتجارب المميتة لتكريس العمل السياسي الطائفي في جوارنا الجغرافي والإقليمي، ولكن لا يلتفت أحد أو يستمع إليها، والعمل جارٍ على أشده لتشكيل قوائم طائفية شيعية في الدوائر الأولى والثانية والثالثة، بدعم من رجال دين وفعاليات اقتصادية! والتيارات الأصولية السنية مستمرة في جر المزيد من أئمة المساجد للعمل السياسي واللعب على الوتر الديني لدى الناخبين وبصفة خاصة لدى النساء، بينما التيارات السياسية الوطنية تخشى من إضافة اسم شيعي إلى قائمتها المكونة من المرشحين السنّة حتى لا تخسر أصوات قاعدتها من السنة! وهنا نتساءل: أين القدوة إذن؟ وهل يعقل ألا تكون هناك قائمة أو على الأقل أن يكون هناك تعاون بين مرشحين يمثلون كل الكويتيين بجميع طوائفهم وتنوعهم العرقي، يحملون ويروجون لمشروع وطني خالص بعد 50 عاما من العمل الديمقراطي، والتجارب التي مررنا بها من غزو واحتلال وخلافهما؟ما يحدث يؤكد أن هناك خللاً ما يتعلق بقدرتنا على الاستماع لبعضنا بعضاً أو للتناصح في ما بيننا، فنحن نعاني «صمماً وطنياً» ولكن الغريب أن هذا الصمم يشفى ويزول عندما يتعلق الأمر بمس مصلحة مجموعة متنفذه أو فئة معينة أو قبيلة أو طائفة، إذ نجدهم «مشتحين أذانهم» وصوتهم عال، وتهديدهم ووعيدهم حاميان، فمتى سنشفى من صممنا الوطني المزاجي هذا؟ وهل ننتظر أن تحل علينا المصائب لنسمع حينها صراخا ونحيباً لكل من ستحل بهم المآسي بسبب هذا الصمم؟!***تعودت منذ بدأت كتابة مقالتي بشكل منتظم أن أجدها منشورة في القسم الخاص بالكتّاب في الجرائد الإلكترونية المنتشرة والناجحة في الآونة الأخيرة في نفس اليوم أو في اليوم التالي، ولكن مقالتي السابقة بعنوان (عقدة رئاسة «الأمة»... وتجدد الأزمة) لم تجرؤ جريدة إلكترونية واحدة على نشرها أو حتى الإشارة إليها من قريب أو من بعيد... فعرفت من الذي لا تُتخطى أبداً خطوطه الحمر في بلدي... و»سلم لي على الإعلام الحر والمصداقية والمسؤولية تجاه القراء».