نهاية الاستجوابات... تغيير للوزراء وبقاء للفساد! هل منْح الثقة للوزير المستجوَب يعني بياض صفحته؟ وكم استجواباً جدياً كان ضحية للتجاذبات الفئوية؟
إساءة استخدام أداة الاستجواب يشترك فيها النواب بتقديمهم قضايا ضعيفة وغير مدروسة، والحكومة بإهمالها مطالب الأعضاء بعد انتهاء المواجهة... ويبقى الفساد مستمراً.44 عاما من العمل بدستور الدولة تخللها 35 استجوابا ادرجت على جدول اعمال البرلمان، ونفذت بحسب النصوص واللوائح الدستورية والقانونية. والسؤال هنا: ماذا نتج من وراء تفعيل أداة الاستجواب التي تضمنتها المواد (100) و(101) و(102) من الدستور. وقبل الاجابة عن هذا السؤال يجدر بنا طرح الملاحظات التي غالبا ما تكون مرافقة لاي تلويح نيابي باستخدام هذه الاداة التي يسميها اهل القانون «سؤال مغلظ».
فأولا: هناك حساسية مفرطة من قبل جميع الاطراف ذات الصلة بالعمل السياسي المباشر، او تلك المتابعة له، ونقصد هنا الحكومة، ومجلس الامة، والرأي العام. ومنبع هذه الحساسية يأتي من نزوع العمل السياسي الكويتي نحو الشخصانية رغم مرور اكثر من اربعة عقود على العمل البرلماني واستخدام اداة الاستجواب فعليا لـ35 مرة.وثانيا: ان طبيعة الحوارات التي تسبق وترافق تقديم أي استجواب لا تلقي بالا للنتائج المقررة سلفا في الدستور، وهي هنا على سبيل المثال لا الحصر: إمكانات طرح الثقة، الاكتفاء بمناقشة الاستجواب، تشكيل لجان متابعة او تحقيق لما يثار من قضايا، المخارج الدستورية المختلفة كالتدوير او التعديل الوزاري. ويرجع السبب في فقر الحوار القانوني والدستوري إلى العامل الذي ذكرناه اولا.ثالثا: في الغالب يموت الاهتمام بقضايا اي استجواب بعد ايام من الانتهاء منه، حتى لو كانت إحدى نتائجه نجاح طرح الثقة عن الوزير؛ فالاهتمام والذاكرة يكونان على الدوام بإزاحة الاستجواب للوزير المعني، ولا تكون هناك اي اهتمامات بما نتج عن اثارة المواضيع التي طرحها النائب المستجوِب.رابعا: هناك افراط في استخدام اداة الاستجواب، وان كانت هذه الاداة دستورية من حق النواب ممارستها في اي وقت الا ان صفة الافراط التي نعنى بها هنا الافراط في الاستجوابات السريعة وغير المبنية على قضايا جوهرية وحقيقية، وهو ما يؤدي الى نوع من امتهان هذه الاداة الدستورية.خامسا: يتصف التعامل الحكومي مع اداة الاستجواب في اكثر الاحيان بالارتباك الجماعي، او بضعف حجج الوزراء المستجوبين، او عدم القدرة على المواجهة مع النواب المستجوبين. ولذلك يلاحظ ان (5) استجوابات سقطت بسبب حل البرلمان، و(4) بسبب التعديل الوزاري، و(5) بسبب استقالة الوزير قبل ممارسة الاستجواب.سادسا: طرح مواضيع الاستجواب من دون استخدام حقيقي ومستنفد للادوات الاخرى المتاحة للبرلمان. وهناك استجوابات عديدة سقطت لهذا السبب، ومن اصل العدد الكلي للاستجوابات المنفذة على المنصة اكتفى مقدمو (6) استجوابات بردود الوزير. وتجدر الاشارة هنا إلى أن الادوات الاخرى المقررة في الدستور واللائحة الداخلية بحاجة الى فهم وادراك نيابي قبل اللجوء الى اداة الاستجواب، وهو طلب المناقشة العامة لموضوع معين، حيث تتاح للجميع -حكومةً وبرلماناً- فرصة لمعرفة الآراء والامزجة المختلفة تجاه قضية ما.سابعا: يكثر استخدام أداة الاستجواب بشكل واضح بعد فترات الحل غير الدستوري لمجلس الامة. وسبب ذلك يرجع الى طول فترات الحل وممارسة الحكومة للادارة منفردة ومن دون جهاز رقابي عليها. فحل المجلس عام 1976 لمدة اربع سنوات متتالية ومجيء مجلس 1981 الذي حدثت فيه استجوابات كثيرة أديا - من بين عوامل كثيرة - إلى حله حلا غير دستوري عام 1986. واستمر الوضع السياسي بانفراد سلطة واحدة بإدارة شؤون البلاد حتى حدث الغزو العراقي عام 1990، الى ان عاد المجلس مرة اخرى عام 1992، ومنذ تلك السنة الى يومنا هذا تم تقديم (21) استجواب فعليا، وهناك استجوابان لرئيس مجلس الوزراء في الطريق ليصبح اجمالي عدد الاستجوابات (23) استجوابا. تقييم الاستجوابات كانت تلك ملاحظات عامة حول ممارسة حق الاستجواب وربما دعت الحاجة الى بحث المزيد منها بغرض ترشيد العمل البرلماني والحكومي معا. فهناك شعور عام بأن فتح دوائر النقاش والحوار حول القضايا المحلية على اختلاف طبيعتها بحاجة الى قناة يتم ابتكارها لتكون مجالا للتعاطي الايجابي والعلمي قبل الولوج الى استخدام اداة الاستجواب التي يبين الجدول المرفق عدم الفائدة من استخدامها استخداما غير رشيد. ويبدو أن استخدام حق المناقشة العامة داخل المجلس لموضوع معين امر يجب تفعيله لكثير من القضايا الشائكة كقوانين الاستثمار الاجنبي، والبدون، والمرأة، والامن وغيرها من القضايا.ويتطلب ذلك شفافية حكومية في نقل المعلومة والافصاح عن تفاصيل كل المشروعات التي تطرح كحلول لمشاكل قائمة، كما ان ابتكار قناة شعبية خارجة عن اطار البرلمان لتكون اطارا للحوار السياسي والاجتماعي العام لقضايا المجتمع حرِية بقيادة الرأي العام الذي يعتبر البرلمان والحكومة جزءا من مزاجه، ابتكارها يعد شيئا هاما جداً في تخفيف التشنج واستبداله بحيادية الطرح وعلميته، وهو غايتنا جميعا في حل قضايانا.متى يكون الاستجواب مفيداً؟تتمثل مشكلة استخدام اداة الاستجواب في الحياة السياسية الكويتية في زاويتين: أولاهما تتعلق بالحكومة، والثانية بمجلس الامة. وبغض النظر عما يشاع من اخبار وتسريبات تجاه استجوابات بعينها لغرض اضعافها والتأثير على المستجوبين من النواب، او لكون الغرض من استجواب معين البهرجة السياسية والانتخابية، بغض النظر عن ذلك كله، فإنه من المهم النظر الى ما يطرح من مادة للاستجواب تجاه اي وزير من خلال فريق متابعة مشترك بين المجلس والحكومة، وعلى ذلك فليس من الحكمة وصم استجواب بانه مهم وآخر بانه غير ذلك، واهمية هذا الطرح تأتي لجهة الاهمال البرلماني والحكومة لنتائج الاستجواب وما يثيره من قصور في الادارة الحكومية امام الرأي العام. فعلى سبيل المثال ومن دون ابداء موقف محدد من استجواب وزيرة التربية والتعليم العالي والذي انتهى بمنح الثقة للوزيرة فانه من المفيد متابعة الملاحظات التي طرحت من خلاله حتى وان نالت الوزيرة ثقة المجلس.واذا كان من الضروري الاهتمام بما يطرح في استجوابات لم تؤد الى طرح الثقة عن الوزير فإنه من الاجدر الاهتمام بنتائج الاستجوابات التي ادت الى استقالة الوزراء او نتج عنها تعديل وزاري او حتى حل لمجلس الامة، فالاصل ان استخدام النواب لاداة الاستجواب يرجى منه الاصلاح في نهاية الامر، ولا يعني حصول الوزير على ثقة البرلمان ان سير العمل في وزارته بلا اخطاء، فالامر في النهاية عبارة عن تصويت لاعضاء المجلس فهناك المؤيد وهناك المعارض وبينهم الممتنع. وينسحب هذا المنطق على الاستجوابات التي انتهت بمجرد مناقشتها، او تلك التي لم يستطع اصحابها من النواب الحصول على الاصوات المطلوبة لتقديم طلب طرح الثقة. ويذكر في هذا الصدد الكم الهائل من المخالفات التي تضمنها استجواب النائب حسين القلاف ضد وزير الكهرباء والماء ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل طلال العيار الذي انتهى بـ«الاكتفاء بالمناقشة»، وينسحب نفس الوضع على الاستجواب الذي تقدم به كل من النواب سامي المنيس واحمد المليفي ومشاري العصيمي ضد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزرا ووزير المالية ناصر الروضان، والذي انتهى بالاكتفاء بالمناقشة على ان يتم تقديم تقرير بعد 6 اشهر عما طلبه المستجوبون من الوزير... وكانت النتيجة متواضعة جدا امام ما اثاره المستجوبون.حفظ قيمة أي استجوابوينبغي هنا التنبيه الى مسألة في غاية الاهمية، وهي مسألة التجاذبات السياسية، والاستقطابات التي ترافق معظم الاستجوابات المطروحة والشحن غير المبرر من جانب النواب والحكومة والرأي العام، والتي تهدأ فور انتهاء الاستجواب كأن شيئا لم يكن... وتذهب قيمة المحاسبة والرقابة الحقيقية سدى، فقط لأن الوزير استقال، او لأن الاستجواب لم يرق الى طرح الثقة.ولعل مسألة التجاذبات هذه التي تغذيها التكتلات السياسية لا تعمل في الغالب على أسس سياسية مهنية، إذ نرى المساندة التي يلقاها وزير محسوب على تيار معين او طائفة او عائلة او قبيلة من القبائل، فمهما اجتهد النواب المستجوبون في بذل الدلائل والبراهين على تقصير الوزير فإن كل هذا الجهد يذهب هباء تحت عباءة «انصر أخاك»، والامثلة كثيرة في هذا المجال، وقد يفصح الجدول المرفق للاستجوابات عما نقوله بشكل جيد.