في اليوم العالمي للسلام، من المفترض أن تنظر الدول والشعوب خلفها، لترى ما خلفته من دمار وكوارث وآلام، إما بمشاركة مباشرة منها، أو بتواطؤ مع آلة العنف وصمت عما يجري حولها.
منذ إقراره من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1981، أصبح الحادي والعشرين من سبتمبر من كل عام، مناسبة للتذكير بواقع العنف والظلم الممارس من قبل دول وجماعات ضد بعضها بعضا، ولإعطاء فسحة أمل بسلام يسود العالم ممارسة وثقافة. لا العنف توقف، ولا مولداته انحسرت، بل إن منطقتنا بالذات شهدت في أكثر من مكان تفاقما في معدلات العنف والدمار خلال السنوات القليلة الماضية، من جرائم الاحتلال والعدوان الخارجي، إلى النزاعات الداخلية المسلحة. لكن كثيرين في هذا العالم، لايزال لديهم إيمان بعالم أفضل يسعون إليه بوسائل شتى. الاحتفاء باليوم العالمي للسلام والمشاركة في فعالياته، هو جزء من التزامهم بمسعاهم وإيمانهم به، وأيضا للفت الأنظار إلى معانيه بالفعل والقول لدى أكبر عدد ممكن من البشر حول العالم. على الموقع الإلكتروني لليوم العالمي للسلام، عشرات الاقتراحات التي تخول كل إنسان المشاركة في إحياء هذا اليوم وتعزيز قيمه. ضمن مجموعات أو بمبادرات فردية، أشياء متنوعة يمكن عملها والدعوة إليها، من كتابة ونشر القصائد والمقالات إلى رسم وعرض اللوحات إلى معارض الصور، إلى تغطية أحداث هذا اليوم صحفيا، تأليف الأغاني، إشعال شمعة، المشاركة في لحظة صمت، زرع شجرة، إطلاق البالونات، وغيرها الكثير من الفعاليات والأنشطة البسيطة التي تجلب اهتماما وتلفت الأنظار إلى هذا اليوم ومعانيه وتجدد الالتزام بها. إفساح المجال أمام مشاركة الأطفال وتلاميذ المدارس في النقاش حول مفهوم السلام واللاعنف في هذا اليوم، هو ربما من أهم تلك الفعاليات المقترحة. ليس فقط لأنه يخرج هذا الاحتفال السنوي من أروقة المنظمات والحلقات الرسمية الضيقة، إلى قاعات الدرس ومنها ربما إلى المنازل، لكن أيضا، لإعادة الاعتبار لهذا المفهوم، ضمن ثقافة مجتمعية تقوم على نقيضه ولا تكف عن تغذية وتعزيز هذا النقيض بشتى الوسائل. أن يرد الاعتبار لمفهوم السلام واللاعنف، ليس بالشيء القليل، وهو الذي طالما تعرض للحط من شأنه وابتذاله. التأكيد على أن الطريق نحو السلام لا يبدأ إلا برفض أشكال الحرب والعنف كافة، وأيضا برفض أشكال الظلم واللاعدالة كافة. لا احتلال خارجيا في مكان يبرر ظلما داخليا في مكان آخر، ولا تحالفات سياسية أو عقائد وإيديولوجيات تعبد الطريق إلى العدالة المنشودة بالدمار والضحايا. الجوع لا يقل تهديدا للسلم عن الحرب، الحط من كرامة البشر وانتهاك حقوقهم يستوي في المكان نفسه. وأن السلم لا يعني فقط المجتمعات التي تعاني احتلالا أو نزاعات داخلية مسلحة. أشياء كثيرة سوى السلاح بأشكاله المختلفة، تهدد السلم وتقوضه. الأطفال والنساء والأقليات الدينية والإثنية وأي فئات أخرى يقع عليها ظلم أو تعاني اضطهادا، هي معنية قبل غيرها بهذا اليوم ومعانيه. ربط تحقيق السلام بتحقيق العدالة، والسعي نحو العدالة بالنضال اللاعنفي، لا يحتل كثيرا من مساحات كتبنا الدراسية التي تمجد الثورات المسلحة وتعلي من شأن الكفاح المسلح والجهاد والاستشهاد. عقد المقارنات بين ما حققت تلك الأساليب الكفاحية العنفية من مكاسب للقضية أو القضايا، وما تسببت به من خسائر ونكبات، من شأنه أن يجعل الصورة أكثر وضوحا. تمجيد رموز السلام في العالم، لا يجد له مكانا في كتبنا الدراسية، مقارنة بقادة الثورات والفتوحات. صور هؤلاء في المخيلة، شاحبة وهزيلة وبائسة، ضبابية ويعتريها الوهن، مقارنة بصور أولئك ممن ربما توخوا الهدف نفسه بوسائل مختلفة كليا، أو استخدموا الهدف وسيلة لأهداف مناقضة تماما. رمز البطل المقاتل، تغلب كثيرا على رمز الحكيم صاحب رسالة العدالة والمحبة. التعصب مهما اختلف شكله وبأي طريقة جرت ترجمته على أرض الواقع، لا يستوي مع السلام. غياب قبول الآخر لا يستوي مع السلام، انعدام الرغبة أو الإرادة في التحول نحو عالم أفضل أو أقل سوءا، الانغلاق على الأحقاد، اليأس أو اللامبالاة، ذلك كله لا يستوي مع السعي نحو السلام. لذلك سيكون من الجميل تذكير أطفالنا بالأم تيريزا، وقولها بأن السلام يبدأ بابتسامة.* كاتبة سورية
مقالات
... يبدأ بابتسامة
12-09-2008