قبل أكثر من ثماني سنوات، وبالتحديد في 18- 2- 2000 كتبت مقالا في جريدة «القبس» تحت عنوان «لماذا فاز ماكين؟» تعليقا على انتصاره الباهر على منافسه جورج بوش في تصفيات الحزب الجمهوري في ولاية نيوهامبشير تمهيدا للرئاسة، وكان ذلك قبل يوم واحد من تصفيات ساوث كارولاينا التي فاز بها بوش بعد عملية تشويه قذرة مارسته حملته ضد ماكين إلى درجة اتهام زوجته بالإدمان على المخدرات.
كانت تلك السنة هي سنة ماكين بامتياز، وكان سيفوز بانتخابات الرئاسة بسهولة لو فاز بتصفيات حزبه لأنه ألهم عامة الشعب الأميركي بمن فيهم الديمقراطيون الذين صوّت الكثير منهم لمصلحته في الولايات التي تسمح لهم بالمشاركة في تصفيات الحزب الجمهوري، إلى درجة أنه كان يدعو رفاقه الجمهوريين إلى الانضمام إلى حملته ومساندته وذلك في كلمته بعد فوزه بتصفيات ولايتي أريزونا وميتشيغان. أما في هذه السنة فالظروف مختلفة تماما، لأن الجمهوريين خاضوا الانتخابات بسمعة سيئة جدا ناتجة عن حربين فاشلتين ومضاعفة عجز الميزانية من 5 إلى 10 تريليونات دولار. ومع ذلك كان ماكين متعادلا تقريبا مع أوباما في الاستطلاعات حتى جاء الانهيار المالي للبنوك والشركات، وهو العامل الذي رجح كفة أوباما بالنهاية لأن 60% من الناخبين اعتبروا الاقتصاد هو العامل الأهم في تحديد اتجاه تصويتهم بينما جاءت حرب العراق بالمرتبة الثانية بـ11% فقط. كما بدأ الناس يدركون مدى فداحة الخطأ الذي اقترفه ماكين باختيار حاكمة ألاسكا كنائبة له، واتضح ذلك بعد مقابلاتها التلفزيونية، خصوصا تلك التي أجرتها مع تشارلي غيبسون وكيتي كوريك، والتي أظهرت من خلالها جهلها بكثير من الأمور السياسية البسيطة إضافة إلى منطقها الساذج في تحليل ما يجري في العالم، ومنذ ذلك الوقت باتت محل تندر الكثير من البرامج الكوميدية.في العادة لا يكون منصب نائب الرئيس ذا أهمية في التصويت، لكن في هذه الحالة كان مهما جدا خصوصا مع سن ماكين الذي يبلغ 72 عاما، وكان يعاني السرطان من قبل، وكانت الاستطلاعات تشير إلى أن سنه كان عاملا أقوى من لون أوباما في تحديد اتجاه التصويت. وقد أدى هذا الاختيار بالنهاية إلى عزوف الناخبين المستقلين عن التصويت لماكين الذي كان يلعب على ورقة الخبرة التي سقطت منه بهذا الاختيار، بل إن بعض الأوساط الجمهورية أبدت امتعاضها علنا من هذا الاختيار الذي نجح فقط ببث الحماس في القاعدة الجمهورية.وفي المقابل، استفاد الديمقراطيون من تصفياتهم الطويلة بين أوباما وكلينتون لأنهم استطاعوا تسجيل أعداد مهولة من الناخبين الجدد خصوصا الشباب الذين كانوا هم الفاصل في تحديد الرئيس، حيث صوتوا بنسة الثلثين لمصلحة أوباما. كما أظهرت نتائج التصويت في كل الولايات تقريبا ازدياد تأييد الديمقراطيين في الضواحي على عكس انتخابات 2004 التي خسروها بنسب كبيرة. وبالرغم من أن أوباما استطاع أن يلهم الكثيرين بالكاريزما التي يمتلكها فإن الظروف اجتمعت لمصلحته بشكل كبير، لاسيما إذا أضفنا إليه عامل المال الذي لعب لمصلحته بقوة، وكان سببا جوهريا لفوزه في كثير من الولايات، ولاسيما تلك التي كان فيها الفارق ضئيلا جدا. ومع ذلك يحسب للشعب الأميركي تصويت عشرات الملايين منه للمرشح الأسمر، أما بالنسبة لنا فالأمر سيان سواء فاز الأبيض أو الأسود.
مقالات
لماذا خسر ماكين؟
11-11-2008