منذ يومين حضرت ندوة حوارية لمعهد المرأة للتنمية الذي تديره الأستاذة الفاضلة كوثر الجوعان، وكانت الندوة التي جرت في ديوانية جمعية المحامين منعقدة تحت عنوان: آفاق التعاون ما بين السلطتين، وتحدث فيها الأستاذ عبد المحسن المدعج والنائب عبد الله الرومي والدكتور خلدون النقيب. لم أشارك ليلتها بالتعقيب رغم أن الفرصة كانت متاحة لأني بقيت عاجزا عن أن أجد نفسي في كل محاور ما جرى طرحه، وبقيت متوقفا عند التفكر في صحة العنوان!

Ad

إن أي حديث عن تعاون السلطتين لابد أن يكون قائما مسبقا على افتراض وجود سلطتين مستقلتين حتى يمكن السؤال عن وجود مجال للتعاون أو عدم التعاون بينهما، ويجب أن يكون قد قام مسبقا أيضا على افتراض أن كل سلطة من هاتين السلطتين هي سلطة قائمة متحدة بذاتها حتى يتسنى لها أن تتعاون مع الأخرى!

لكن من ينظر إلى واقعنا السياسي الذي تتداخل فيه أعمال السلطتين ويقفز أعضاء كل واحدة منهما على الأخرى بشكل واضح في كثير من الأحيان، كتدخل النواب في أعمال السلطة التنفيذية وعرقلتهم لها، وقيام السلطة التنفيذية بلعب الدور التشريعي في كثير من المرات، وكذلك من ينظر إلى هذا الواقع الذي نجد فيه أن كل سلطة من السلطتين ما هي إلا كيان مهلهل غير منسجم في ذاته، كعدم انسجام الوزراء فيما بينهم، بل وقيامهم في أكثر من مرة بالتصريح وربما العمل ضد بعضهم بعضا، وكذلك انقسام أعضاء البرلمان على أنفسهم، واختلافهم وشقاقهم الواضح، وعدم قدرتهم على الاتفاق إلا فيما ندر، أقول من ينظر إلى هذا الواقع المتشظي، لن يجده صحيحا على الإطلاق أن يتساءل عن آفاق التعاون بين السلطتين!

يا سادتي، لا توجد عندنا سلطتان حتى نسأل عن تعاونهما، وإنما يوجد فوضى وكرنفال سياسي اختلط فيه الحابل بالنابل، رأينا كيف يكون فيه بعض الوزراء أقرب إلى كتلهم السياسية وأكثر ولاءً لها من ولائهم للسلطة التنفيذية التي هم أعضاء فيها، وبعض النواب أقرب إلى الحكومة من قربه إلى السلطة التشريعية التي هو عضو فيها، بل إن بعضهم أقرب وأكثر ولاء لقبائله وعوائله وطوائفه من ولائه للسلطتين جميعا، بل ومن الوطن بأسره!

قبل أن نتساءل عن آفاق التعاون بين السلطتين، يجب أولا أن نبتعد عن الصورة التي تلتصق بها أنوفنا حتى نتمكن من مشاهدتها كلها، وحينها سنكتشف أنه لا توجد سلطات مستقلة أصلا، بل لا توجد ديمقراطية حقيقية عندنا، وأن كل ما هنالك هو أدوات سياسية خطرة تركت في أيدي أناس كثير منهم لا يملك من الحكمة والبصيرة شيئا، ولعبة سياسية قوانينها، القاصرة أصلا، صارت لا تحترم، وأن الخلل أكبر بكثير من مجرد انعدام التعاون بين الحكومة والبرلمان، حيث تلتف جذوره العميقة جدا حول الأساسات كلها التي قامت عليها حياتنا السياسية. تلك الأساسات التي لم يجرِ تطويرها وتدعيمها وتعليم الشعب كيفية صيانتها عبر 48 سنة هي عمر الدستور الكويتي، انفلتت فيه كل الأمور من عقالها، حتى وصلنا اليوم إلى هذا الوضع الشائك العصي حتى على أبرع العقول!