كرامتكم إن لم تكن مسؤوليتكم
احترت مع انتهاء العام في أي عنوان يصلح لوصف الحكومة الحالية، فهل ما اعتراها خلال العام هو تراجع؟ أم تخبط في القرار؟ أم تناقض في المواقف؟ أم جميع ما سبق؟ فقضايا مثل التجنيس والرياضة والمصفاة الرابعة و«الداو» يستعصي على المنطق والذكاء وبعد النظر والتخطيط الاستراتيجي والتحليل العلمي استيعابها، ولكن يبرز عامل مشترك بينها وهو غياب قيم أساسية من أخلاقيات العمل السياسي والخدمة العامة، وهي الإحساس بالمسؤولية والانتصار للكرامة. فمع انتهاء كل قضية تفند الحكومة ما طرحته سابقاً، وتخَطّئ نفسها بقرار نهائي يناقض القرارات التي سبقته، وفي كل الحالات لم يتحمل المسؤولية أحد.في قضية التجنيس استبسل وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد في الدفاع عن أحقية أحد الأفراد في الحصول على الجنسية، وخاض معركة الصحف والتلفزيون من أجله، إلى أن قامت حكومته بسحب الجنسية من الفرد نفسه لعدم استحقاقه لها. إذن بين منح الجنسية وسحبها وقع خطأ ما، فإما أخطأ الوزير في دفاعه المستميت، وإما أخطأت الحكومة بسحبها، ولهذا اليوم لم يعترف أحد منهما بالخطأ ويتحمل مسؤوليته.
وفي قضية الرياضة استبسلت أندية التكتل بقيادة الشيخ طلال الفهد ورعاية الشيخ أحمد الفهد بمحاربة قوانين إصلاح الرياضة، وتمسكت برأيها أن الاتحاد الدولي (فيفا) لا يسمح بعضوية 14 نادياً في مجلس إدارة اتحاد الكرة، وأن ذلك سيؤدي إلى تجميد عضوية الكويت، وتخاذل وزراء الشؤون السابقون في تطبيق القانون، ولوح وزير الشؤون الحالي بدر الدويلة بنية الحكومة تعديله، إلى أن أتى الأمر الأميري بتطبيق قانون «الـ14» بناء على إفادة رئيس الاتحاد الآسيوي محمد بن همام بألّا تعارض بينه وقوانين «الفيفا»، ورضخ أحمد وطلال الفهد ومن تبعهما إلى الحق والحقيقة دون أن يعترف أحد منهما بخطئه ويتحمل مسؤولية ضياع الجهد والوقت في إشغال البلد في صراع سياسي وإعلامي وتجميد عضوية الكويت في الـ«فيفا» لعدة أسابيع إلى أن أعيدت أخيراً.وفي قضية المصفاة الرابعة استبسل وزير النفط محمد العليم وشركة البترول الوطنية في الدفاع عن المشروع وسلامة إجراءاته، إلى أن سحبت الحكومة المشروع، وفي صفقة «الداو» استبسل الوزير والمجلس الأعلى للبترول وشركة الصناعات البتروكيماوية في الدفاع عن جدوى الصفقة الاقتصادية والفنية إلى أن ألغتها الحكومة، وفي القضيتين لم يعترف أحد بخطئه ويتحمل المسؤولية، أو ينتصر لموقفه فيستقيل.لا أتحدث هنا عن تغير طفيف في المواقف، فتلك طبيعة العمل السياسي والخدمة العامة، ولكن ما حدث هو تبني موقف ثم الانقلاب عليه بموقف مناقض تماماً، وهو ما يعد إدانة للموقف السابق. إن من ينقلب على موقفه هكذا فإنه بحكم الإحساس بالمسؤولية يدين للناس بالاعتراف بخطأ موقفه السابق، ومن لم يزل يؤمن بصحة موقفه السابق فإنه يدين لكرامته وجهده إيثار التنحي على الرضوخ، تلك هي الأخلاقيات الغائبة في كل ما سبق.