أن يكونَ الزوج والزوجة شاعرين على طراز الانكليزي المعاصر تيد هيوز والأميركية سيليفيا بلاث، لابد من أن تكون قصةُ علاقتهما مصدرَ خيالٍ لعددٍ من كتّاب السيرة.

Ad

تيد هيوز من أهمّ شعراء الجيلِ الذي جاء بعد أودن، تميز شعرُه بالانشغال العميق بالطبيعة وحيوانها، باعتبارهما مصدرَ إيحاء سحري للعالم الباطن.

ولد عام 1930 من أبوين ريفيين، وبفعل الطبيعةِ الجهم، وتجربةِ الأبِ القاسية في الحرب العالمية الأولى، كان شعرُ هيوز ذا حساسية لا تقلُّ جهامة ومأساوية.

بدأت موهبتُه الشعرية تتألق في الخمسينات، وفي عام 1957 التقى الشاعرةَ الأميركيةَ الشابة بلاث، وتزوجا وسافرا الى أميركا للعمل في التدريس، ولمزيد من خبرة الشعر عادا الى انكلترا لينجبا طفلين، ولينعمَ هو بالشهرة المتصاعدة والجوائز المتتالية، الأمرُ الذي لم يتحقق بذات المقدار للشاعرة الشابة.

سيليفيا بلاث، وهي لأبوين من أصلٍ ألماني، لم تكن بمستوى أهميّة هيوز، ولكنّ قصيدتها المتوترةَ ذهبتْ بعيدا في أعماق نفسها كأنثى، وكامرأة وكزوجة، ومما زادَ أمرَ علاقتهما إثارةً أن سيليفيا كانت تنطوي على داخل سوداوي هي الأخرى، لا يبينُ على ظاهرها المنبسط، حاولتْ الانتحارَ مراتٍ عديدة، والمرةُ الناجحةُ لإنهاء حياتها كانت قد تحققت بعد زواجها من تيد هيوز، وإنجابها.

كان انتحارها قد أشعلَ فتيلَ الاهتمامِ المتزايد بقصةِ حياتِهما وعلاقتِهما، حتى أن الكتبَ التي عَنيت بسير حياتهما تجاوزتْ عشرين سيرة، والكتب النقدية في شعرهما تجاوزت تسع وأربعين دراسة.

كان حبُّ هيوز لبلاث معززاً بطموح ثقافي، فهو يذكر أنهما في أميركا كانا لا ينقطعان عن كتابة الشعر وبصورة يومية، «هذا كل ما كنا نحسن عمله»، حتى أن بلاث هي التي أعدت لزوجها مجموعته الشعرية الأولى للنشر، وحين عادا الى انكلترا انصرفا بمقدارٍ متساوٍ كُل إلى عالمه الداخلي: هو للكشف عن العنف الكامن في الطبيعة، والاستعانة بالحكاية الشعبية والأساطير، وهي لعالمها الداخلي المتوتر، لا في شعرها وحده، بل في يومياتها ورسائلها الى أمها (وكلاهما صدرا في كتابين مستقلين)، ومما عمّق العزلةَ ارتباطُ هيوز بعلاقةٍ عاطفيةٍ شبه سرية بامرأة أخرى تُدعى آسيا ويفل، التي لم تكن تقل التباساً عن سيليفيا بلاث، هذه العلاقة أنتجت طفلا، سرعان ما ذهب ضحية نزعة الأم للانتحار أيضاً، إذ أنهت حياتهما عام 1969، أي بعد سنواتٍ ستّ من انتحارِ الشاعرة، أو الزوجة الأولى.

بهذا دخل شاعر الطبيعةِ الغامضةِ والسحريةِ حقلَ الأسطورة التراجيدية، لكن الأمرَ لمْ يمنعه من الانصراف إلى تربية أطفاله أيضاً، والانكبابِ على نتاجِ زوجته الشاعرة يعيد تنظيمه وتحريره وإحياءه، لكن حركة الفَيمِنِزم (مساواة الجنسين) المتطرفة وجدت في حكاية هيوز وبلاث مادةً غنيّةً للاستثمار، إذ جعلتْ من الشاعرة المنتحرة رمزاً للمرأةِ الضحيّة، تحت هيمنة الرجل القمعي، وجعلت من الشاعر جلاداً، بل حتى متهما بجريمة قتل. وتبرع أحدُ المخرجين كالعادة لإخراج فيلم مستوحى من حياةِ العاشقين، اللذين تحولا الى جلاد وضحية، ولكن هيوز احتجَّ، وامتنعَ عن السماح بذلك ما دام حياً، ولكن موته المفاجئ عام 1998 أشعل الفتيل ثانية كما يبدو.

آخرُ هذه الاستعادات كتابٌ صدر لكاتبة السيرة ديانا ميديلبروك، تحت عنوان غريب هو: «زوجها: هيوز وبلاث، زواج». الكاتبة ديانا اشتهرت منذ 1991 في كتابها عن الشاعرة الأميركية آن سيكستون، صديقة سيليفيا بلاث وقرينتها في الحياة والمصير، (انتحرت هي الأخرى عام 1974).

كانت الكاتبة قد استخدمت تسجيلات صوتية للحوارات السريرية التي تمت بين سيكسون وبين محللها النفسي، كإحدى مصادر بحثها، الكتاب أثار في حينه عاصفةً بشأن الحدود الأخلاقية للبحث، ولكن هذا الكتاب، الذي يسعى الى الإثارة ذاتها، جاء بعد هدأة في حقل استعادة الشاعرين الراحلين، وهدأة في حقل حركة الفيمِنِزم، التي لم تعد على ما كانت عليه من نشاط وهوس.