أضم صوتي إلى صوت د. بدر الديحاني الداعي إلى تشكيل مجموعة مناهضة للحرب، أي حرب، وتحت أي ظروف، وليتجمع دعاة السلام ليعلنوا رفضهم لجرِّنا جراً كالخراف إلى مسالخ هواة الدمار والحروب، مهما كانت مبرراتهم وأسانيدهم.عندما كنا أسرى في معتقل أبو صخير شمال البصرة عام 1990، كان من بين المسؤولين عن المعتقل ملازم عراقي اسمه عدنان، كان يتحدث إليّ أحيانا شاكياً مُر الشكوى من الحروب والدمار، قال لي ذات مرة: «منذ أن تخرج في جامعة البصرة عام 1980، لم أنعم بتخرجي، فما كدت أتخرج متخصصاً في الكيمياء حتى أدخلنا صدام في حرب مع إيران طويلة طول نهر دجلة، مجنونة كجنون نهر كارون، وبعد ثماني سنين من الدمار والعذاب والأذى، وكنا نظن أننا داخلون للسلام، أبى إلا أن يدخلنا في دمار جديد، فدخّلَنا الكويت، وها نحن وجهاً لوجه معكم من دون أن يكون لنا رأي أو ذنب، ومن دون أن يكون لكم ذنب».
كانت الكويت حينها قد تحررت من براثن الغزو الآثم، واشتعلت انتفاضة الجنوب، ولم نكن نعرف إن كنّا سنعود حينها سالمين لأهلنا ووطننا، فأصوات المدافع، وأزيز المروحيات يتردد على مسامعنا. وجيء باخصائي الإبادة الجماعية علي الكيماوي لإخماد الانتفاضة، وتواطأت الولايات المتحدة، فسمحت لعلي كيماوي وصدام وجلاوزتهما بارتكاب المجازر في الجنوب. كان الملازم عدنان يحكي لنا عن المجازر في البصرة، متسائلاً، «إلى متى ونحن على هذه الحال، متى يأتي اليوم الذي نعيش فيه بسلام». ويستدرك قائلاً: «تصور أنه منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1980، وأنا اتسلم هدية من السيد الرئيس، عبارة عن مسدس كل سنة، بالله عليكم، ماذا يفترض بي أن افعل بهذه المسدسات؟». ويختتم تلك الكوميديا السوداء بسخرية: «كنت أتوقع أن يغلط السيد الرئيس مرة ويبعث لي هدية سلمية، كساعة مثلاً، إلا أن ذلك لم يحدث، ولا يبدو أنه سيحدث».
تكرار الحروب في منطقتنا الصغيرة هو مؤشر الى حالة عبثية، ولم يكن أكثر عبثية من سؤال الملازم عدنان لي قبل افتراقنا بيومين، ربما للأبد، سألني: «لقد تعبنا من هذه الحروب، فهل بالإمكان، بعد أن تعود، أن تجد لي عملاً في الكويت، أريد مكاناً أعيش فيه بسلام».
كان السؤال عبثياً، بقدر ما كان منطقياً، فلم تكن أمنية الملازم عدنان أكثر من العيش بسلام، لا أكثر ولا أقل، كان سؤالاً قادحاً للذهن منبهاً لحالتنا المرضية. قلت له: «خلينا نخلص من هذه الحالة المزرية التي أنا فيها أسير وأنت سجان رغماً عنك، وبعدها يصير خير». وبالطبع لم يحدث الخير ولا هم يحزنون. فقد جاءت بعد الحرب حرب أخرى، حرب تلد اخرى، كما يقال، وسقط صدام، ودخلت العراق في متاهات حروب صغيرة، لا نعرف متى أو كيف ستنتهي؟
بعد سقوط صدام ذهبت إلى العراق مئات المرات في مهمات إنسانية متنوعة، بحثاً عن الأسرى تارة، وإسناداً للإنسان العراقي المهمش تارة أخرى، بحثت عن الملازم عدنان من دون جدوى، فهمُّنا كان مشتركاً لا تخطئه العين، لم يستوعب الكثير من الاصدقاء لماذا أبحث عنه، إلا أنني لم أجده، ولا أعرف إن كنت سأجده، فقد ضاع وسط زحام الحروب.
أقول قولي هذا، وطبول الحرب تقرع لحرب جديدة، بمبررات جديدة وبأسانيد مختلفة. هذه المرة تجاه إيران، ومع اني لا أظن أن الحرب ستقع، ولكن طنين أجواء الحرب يصم الآذان، وهو طنين مزعج كريه، خبرناه وعرفناه، وكرهناه.
أضم صوتي إلى صوت د. بدر الديحاني الداعي الى تشكيل مجموعة مناهضة للحرب، أي حرب، وتحت أي ظروف، وليتجمع دعاة السلام ليعلنوا رفضهم لجرِّنا جراً كالخراف إلى مسالخ هواة الدمار والحروب، مهما كانت مبرراتهم وأسانيدهم.