واجترح اللبنانيون «المعجزة»، مفضلين خيار الوفاق على كل الخيارات الأخرى رغم الجراح المثخنة على جانبي الموالاة والمعارضة!

Ad

وإذا كان لنا أن نهنئ العرب والقطريين خصوصا على الجهد الاستثنائي الذي بذلوه من أجل إنجاز الاتفاق التسوية، فإن من حق اللبنانيين علينا أن نهنئهم أيضا على هذا الإنجاز «المعجزة» بما كادت البلاد تنجر إلى حافة الهاوية التي نصبت لها كفخ ولا كل الأفخاخ!

إلا أنه ومن وجهة نظر أخرى فإن ما أطلق عليه بـ«صلح الدوحة» لم يكن فقط وليد النيات الحسنة والجهود الخيرة والطيبة العربية أو اللبنانية التي تولدت «فجأة» أو «أثمرت» ولو بعد لأي، بقدر ما كانت نتيجة حتمية لهول الصدمة التي تلقاها المخططون لإشعال الفتنة من وراء جدر!

لذلك كان محقاً أمير قطر عندما قال: «ليس صحيحاً أن النزاع الأخير انتهى إلى معادلة لا غالب ولا مغلوب، بل إلى غالب ومغلوب الغالب فيه لبنان والمغلوب هي الفتنة»!

وأيا كان تفسير الأمير القطري أو قراءته لما جرى وما أنجز حتى يعبر عنه بما أتى ذكره آنفا، وهو استنتاج نشاطره الرأي فيه، إلا أن لنا رأيا في الأسباب أو السبب الرئيسي الذي دفع بالعرب إلى «الهرولة» من أجل الحل التصالحي الذي طال انتظاره من جانب الأكثرية اللبنانية الكاسحة!

نقول لولا «زأرة الأسد» اللبناني الذي اضطر إليها سيد المقاومة بعد ترفع طال أشهراً، والقومة الشعبية التي أدارتها زعامات الأغلبية الشعبية المعروفة بقيادات المعارضة الوطنية اللبنانية فإنه لم يكن لـ«يهرول» أحد لا من العرب ولا من غير العرب إلى لبنان ولما كان اتفاق «صلح الدوحة» الحميد!

وهذه القراءة لا تقلل لا من عزيمة قطر ولا من موقعها الخاص ولا من جهود أي أحد كان يتمنى الخير للبنان واللبنانيين أو رغبته في وقف نزيف الاقتتال اللبناني، بقدر ما هي تبيان واقع عربي وإقليمي ودولي مر محيط بقضايا العرب والمسلمين، ولا من مجيب لاستغاثة الناس، وفلسطين وغزة هاشم المحاصرة كما هي حال «شعب أبي طالب» منذ أشهر ولا من «مهرول» ولا هم يحزنون، أكبر شاهد على ما نقول!

إن التغير الحاسم في ميزان القوى على الأرض أولا ومن ثم وأد الفتنة الخطيرة التي كانت معدة ومخططا لها من زمن بعيد بشكل واقعي وعلى الأرض ثانيا، هو الأمر الذي أفضى إلى بلورة معادلة غلبة الشعب اللبناني على الفتنة كما تفضل وشرح أمير قطر بدقة وحسن تقدير!

وهنا ثمة من يعتقد أن ما حصل ربما كان نسخة معدلة من انتفاضة 1958 التي كانت هي الأخرى قومة شعبية أطاحت بالفتنة الخارجية آنذاك وأفرزت واقعا يشبه الواقع الذي أفرزته انتفاضة مايو العام 2008، مع اختلاف الظروف والحيثيات، وإن كانت نتيجة الواقعتين صعود العسكر إلى سدة الرئاسة كحل توافقي «تسووي» للنزاع المحتدم بين أفراد الطبقة السياسية والزعامات الحزبية والطائفية منذ الاستقلال الأول حول رؤيتين مختلفتين لهوية لبنان وموقعه في الصراع العربي الإسرائيلي أصلا! من هنا أيضا ثمة من يقرأ نتائج «صلح الدوحة» بمنزلة إعلان لما يسميه بالاستقلال الثاني للبنان!

الاستقلال الأول الذي بدأ عام 1943 والذي توج بصعود الجنرال فؤاد شهاب وما عرف بعد ذلك بالعهد الشهابي العروبي مقابل الرؤية الرجعية التي كانت تريد إلحاق لبنان بحلف السينتو وحلف بغداد، والاستقلال الثاني الذي بدأ مع عيد التحرير والمقاومة في العام 2000 والذي يتوج اليوم في صعود حليفها عماد الجيش اللبناني الوطني التي قد لا تنتهي إلا باكتمال الانتصار والغلبة الكاملة لنهج المقاومة والممانعة على النهج الرجعي المتحالف مع المشروع الأميركي الإسرائيلي الذي سعى جاهدا إلى جر لبنان إلى معسكر الشر الأميركي ونقله من ضفة إلى أخرى!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني