قال أحد المواطنين لزوجه وعياله وأصدقائه إنه سيعتكف في الشاليه إلى حين تشكيل الوزارة الجديدة، وعندما سئل عن موقفه هذا أجاب، بأنه يخشى التوزير، من جراء عدم قدرته على أداء القسم الدستوري زوراً وبهتاناً لأنه واثق باستحالة التزامه بالقسم، كما هو واجب ومفترض لاعتقاده بأنه سيخونه، ولن يصونه! فنفسه الأمارة بالسوء ستحرضه على ممارسة كل ما من شأنه خيانة القسم، بكل تجلياته اللاسوية، التي لا تستقيم وتتناغم مع مضمونه! ولأنه لا يرغب في أن يحلف كذباً وزوراً وبهتاناً اختار العزوف عن الوزارة كي لا يقع في الخطأ والخطيئة!

Ad

وسواء كانت حكاية هذا الإنسان المواطن، المنتمي إلى فصيلة التكنوقراط المدججين بشهادات الدكتوراه وأمثالها، مجازية أم واقعية، فإنها تنطوي على سوء سمعة التوزير لدى العديد من النخب الوطنية ذات الخبرة والمقدرة والكفاءة، فإذا كان ثمة العديد من المواطنين يرغبون في التوزير ويتكالبون عليه، فإن غيرهم يعزفون عن الأسباب السالفة الذكر! وقد يكون هذا الموقف السلبي مجافياً لواقع حال التوزير، ويتسم بالتعميم المجاني الخاطئ إلا أنه يدل على ما وصل إليه منصب الوزير من حديث سيئ السمعة من جراء سقوط الكثير منهم في مستنقع الخطأ والخطيئة أثناء قيامهم بمهمة التوزير!

ومن هنا اختار هذا المواطن الاعتكاف، وقطع اتصاله وتواصله مع المجتمع! لا سيما أنه يعتقد أن الوزراء كافة مجرد موظفين لدى رئيس مجلس الوزراء ليس إلا! والوزير الراغب في أداء مهمة التكليف بأمانة وصدق وفعل يمكث في الأرض لن يتاح له ذلك البتة! الأمر الذي يحرضه على الاستقالة كما فعل قلة من المستوزرين في العهود الخوالي. والظريف أن بطل هذه الواقعة مواطنة تنتمي إلى نخبة التكنوقراط إياهم! كما ذكرت آنفا.

* وقد يجد القارئ في هذه الواقعة اختلاقا لا يمت إلى الحقيقة بصلة. ليكن، لكنها حدثت فعلاً، وباتت تنتمي إلى ما يسمى بتلفزيون الواقع، والكوميديا السوداء الطافحة بالسخرية المرة! وأيا كان الأمر فإن دلالتها هي التي تعنينا وتهمنا في هذا السياق كونها تفصح عن النظرة الشائعة في الوجدان الجمعي تجاه مهمة التكليف بالوزارة، فهذا المواطن الصادق مع نفسه، اختار الهروب وسيلة يضمن بها عدم حلفه بالقسم كذباً، لأنه غير مطمئن إلى نفسه الأمارة بكل سوء، قد يقع فيه من جراء إغراء «تفاحة» العصيان المضمرة بالحرمنة وأخواتها السيئات السمعة!

صحيح أن تويزه قد لا يكون وارداً ولن يحدث أبداً، ولكنه من باب الحذر والحيطة شاء أن يفعل ذلك،لا سيما أنه من عائلة مستوزرة! أي سبق لأحد أفرادها توزيره على حين غرة!

* قلت له وأنا أحاوره، محاولاً ثنيه عن هروبه واعتكافه في الشاليه، بأن التوزير لا يحدث على حين غرة كما يظن... ويتوهّم، فلا بد أن يسبقه استمزاج رؤية، ومن ثم له الحق في قبول التكليف أو الاعتذار عنه. قال: لست جاهلاً بما ذكرته، لكن مشكلتي وبليّتي تكمنان في القسم وحده دون غيره. فلو أنهم أعفوني منه، وهو أمر مستحيل، فربما يكون لي رأي آخر قد يحرضني على القبول من دون تردد. بصراحة شديدة، أردف قائلا: لا أستطيع أداء القسم الدستوري شفاهة، بينما أنا موقن بأني سأكون خائنا للعهد، كما حدث لقريبي وأمثاله! إلا القسم يا مولاي! ومن هنا طار إلى الشاليه، وعمد إلى إغلاق تلفوناته الأرضية والنقالة! وربما طال الإغلاق جهاز البوتاغاز والحنفية والكمبيوتر وبوابة الشاليه درءاً لأي اتصال وتواصل مع الآخرين كافة، بغضّ النظر عن موقعهم في نفسه: قرابة أو صداقة أو مجرد معرفة! قلت له، يعني بالمختصر المفيد أنت هارب من الوزارة والمسؤولية وحق الوطن عليك؟! أجاب بحسم وثقة: ليس الأمر كذلك كما يبدو لأول وهلة، لأني هارب من الغواية والفتنة! هارب من نفسي الأمارة بالسوء، بما فيه «سوق» حراج المصالح، وسوق بورصة التوزير.

قلت له ممازحاً أنت مجنون مكعب، وتستأهل الإقامة بنزل ومستشفى الطب النفسي بضيافة وزارة الصحة العامة، إلى حين تثوب إلى رشدك! قال جاداً: لا بأس عليّ من ذلك، فأن أوصم بالحمق والجنون خْيَر لي من أن أوصم بفعلة شينة لا تمحوها بحار صابون «تايد» ولا صابون «الرقي» ولا أي «مسحوق» في الدنيا يغسل أكثر بياضا! أفهمت؟! والحق أني لم أفهم، ولذا دبجت هذه الخاطرة، على حين غرة ، دون استئذانه في النشر! لكني أعول جدا على عدالة القضاء، ومن ثم محامي «الجريدة»!

وقد تذكرت ساعتها مقولة الكاتب والفيلسوف الفرنسي «ريجيس دوبريه»: «لا شيء يشبه الساحر، إلا السياسي المعاصر»!