الجامعات الخاصة... أين الطب منها؟ المعترضون عليها يرون أن لها مصلحة في رفع نسب النجاح حفاظاً على سمعتها

نشر في 15-08-2008 | 00:00
آخر تحديث 15-08-2008 | 00:00
يعتبر وجود جامعات خاصة في الكويت ميزة إيجابية للطلبة وأولياء الأمور، لكن الدراسة فيها تتسم بالغلاء لاعتمادها على أحدث وسائل التعليم وأجور الأساتذة الذين تتكفل جهة خاصة بالدفع لهم، إضافة إلى كون هذه الجامعات مشروعاً خاصاً يضع في حسبانه الربح.

الانطباع الأول الذي يراود العامّة عن الجامعات الخاصة ممزوج بين اللوم والانتقاد، اللذين يوجهان عادة إلى الطلبة الذين اختار بعض منهم هذه الجامعات وأُجبر البعض الآخر لظروف لا تخفى على أحد، إذ يوصف الطلبة بالترف العلمي أو أنهم يقضون أوقاتهم في هذه الجامعات لمجرد الحصول على الشهادة لأغراض الوجاهة الاجتماعية، أو إسكات الأهل الطامحين إلى رؤية أبنائهم في أفضل حال، وقسم من الانتقادات يتلقاها الطرفان: الطلبة والعملية التعليمية برمتها، وأخطرها تلك التي تقول إن طلاب الجامعات الخاصة يحصلون على الشهادات في كل الأحوال، سواء اجتهدوا وبذلوا ودرسوا أو لا، طالما أنهم يدفعون أقساط دراستهم بانتظام.

علامات استفهام

ولعلنا نبدأ من هذه الانطباعات التي تحولت تدريجيا إلى اتهامات لا نعتقد أن طالبا مجدا وحريصا انتمى إلى جامعة خاصة لظروف خارجة عن إرادته، بإمكانه تقبّلها أو تحملها، لاسيما شعوره بالتفوق على أقرانه الذين واتتهم الفرصة في الجامعات الحكومية، تلك الفرصة التي لم تمنح له لسبب ما.

كما أن توجيه الاتهامات إلى منظومة التعليم في الجامعات الخاصة، فيه الكثير من القسوة تصل حد التجنّي، فهذه الاتهامات حولت المعرفة سواء في حقول الآداب والعلوم والفلسفة والقانون واللغة وغيرها من التخصصات، إلى سلعة كباقي السلع المادية تُباع وتُشترى على شكل شهادة لدرجات علمية.

والحكم على دور الجامعات الخاصة بناءً على العموميات أمر غير عادل، فأولا الجامعات الحكومية لا تخلو من الطلبة المترفين، وهو أمر لم نسمع أنه قد زاد أو قلل من دور ومكانة الجامعة سواء كانت عامة أم خاصة. ثانيا، لابد من الوقوف على نظام التعليم في الجامعات الخاصة ببيان مميزاته وعيوبه، للخروج برأي موضوعي بعيدا عن الأحكام العامة وغير المتخصصة التي تصل إلى حد العشوائية، كونها خالية من الدراسات المنهجية المصحوبة بالمعطيات المتفق عليها من قبل الخبراء في مجال التعليم.

عناصر التأييد

الأهم في كل هذا الالتباس، أن أكثر منتقدي الجامعات الخاصة يغفلون عن أن هذه الجامعات ما كان لها وجود أصلا، لو توافرت خطط منهجية مدروسة خاصة بالكويت تحديدا، ومراعية لظروف مرحلة الدراسة الثانوية لدينا، وكذلك المنحى العام للعملية التربوية برمّتها، ويمكننا إضافة عنصر يملك صلابته الخاصة وهو: إلى أي التخصصات يتوجه الجيل لكل فترة عمرية، حسب تطور الحياة المعاصرة؟

ومن دون الخوض في الحيثيات، فإن مثل هذه الأسئلة ينبغي دراستها من الجذور من دون تلكؤ أو تأجيل، فلكل جيل حسب علمنا، بصماته وصفاته في الحياة، والذين أكملوا دراساتهم في السبعينيات لابد أنهم يختلفون عن توجهات طلبة المرحلة الثانوية بعد 20 سنة على سبيل المثال.

وكما تطورت الحياة، تطورت معها العلوم، وكذلك نمط الحياة المعاصرة أفرزت متطلباتها ومواهبها واهتماماتها التي ميزت هذا الجيل عن ذاك، إنها عوامل الزمن التي لا يمكن التغافل عنها ورمي كل شيء على عاتق الانطباعات الأولية التي طالما أرهقت العلوم والدراسات ومنطق الأمور.

ولنناقش الآن عوامل لا فكاك من التوقف عندها، لكي نتبين الأشياء على حقيقتها:

نسب القبول

إن نسب القبول التي قد تُعد عائقا أمام الطلبة الراغبين في استكمال دراستهم الجامعية أو العليا، وهذه النسب تعتبر العائق الأكبر الذي يدفع الطالب إلى اللجوء إلى الجامعات الخاصة التي يتغاضى الكثير منها عن هذا الشرط، كونها فتحت أفق التحصيل الدراسي باستقطاب الشباب المتحمس، وبذلك قللت من أعداد الذين يكتفون بالعمل وفق شهاداتهم الثانوية.

السفر إلى الخارج

يعتبر وجود جامعات خاصة في البلاد ميزة إيجابية للطلبة وأولياء الأمور. وبذلك تم القضاء على مجموعة سلبيات، منها الاغتراب المفروض على الطالب، وقلق الأهالي على أبنائهم (وبالإمكان هنا دراسة ما تأثير هذه الغربة الإجبارية على العائلة الكويتية ونشأة الشاب وآثار ابتعاده عن أهله ووطنه في مرحلة عمرية، هو أحوج من أي وقت مضى لأن يكون منسجما مع بلده ومتساميا مع عائلته). هذا إلى جانب القضاء على تكاليف السكن والمواصلات التي تعد متوافرة أمام الطلبة الكويتيين الذين يُؤْثرون إكمال دراستهم في جامعات خاصة بالكويت (وهنا ألم يسأل أي منا نفسه ما الأموال التي تهدرها كل عائلة كويتية على نفقات الدراسة في الخارج؟ وهل بينت دراسة واحدة كم من الأموال تخرج من الكويت بشكل رسمي أو غير رسمي لتنفّع جامعات غريبة وهجينة وغير معروفة، يمكن لمثيلاتها داخل بلادنا لعب دورها وأفضل منه؟!).

شرط الجنسية

فتحت الجامعات الخاصة أبوابها أمام الطلبة، من دون تمييز بسبب الجنسية، وهو الأمر الذي لا تستطيع الجامعات الحكومية تلافيه، نظرا لعدم استطاعة استيعاب كل الأعداد المتقدمة، لذا يتم تقديم قبول الكويتي على غيره، علما بأنه يتم تخصيص أعداد معينة من المقاعد لطلبة دول مجلس التعاون والطلبة الأجانب، بناءً على شروط معينة يتصدرها دائما المعدل.

أساليب التعليم الحديثة

يرى مناهضو الجامعات الخاصة أن التعليم لا يعتمد اليوم على الأساليب التقليدية في الحضور والتلقين والحفظ، وإنما يقوم بشكل أساسي على الأساليب الحديثة التي قد تكتفي بوسيلة التعليم عن بعد والتواصل عن طريق الانترنت، وهو أمر إيجابي بالنسبة للعاملين الذين يجدون صعوبة في الحضور، ويفضلون القيام بمشاريع عملية تكشف استيعابهم للعلوم التي يتلقونها.

صغر الفصول الدراسية

إن صغر الفصول الدراسية في الجامعات الخاصة ناتج عن صغر أعداد الطلبة، وهو أمر إيجابي في أنظمة التعليم الحديثة التي تعتمد على التحاور والمناقشة، مما يؤثر إيجابا على كفاءة التعليم، على عكس فصول الجامعات الحكومية المكتظة بالطلبة، والتي يجهل الأستاذ أسماء طلبته في كثير من الأحوال، كما يعتمد على الإلقاء والتلقين.

العناية القصوى بالطالب

تتميز الجامعات الخاصة بمعاملتها الممتازة لطلبتها، وذلك عن طريق تذليل العقبات المتعلقة بالتسجيل، والتي لطالما اصطدم بها الطالب في الجامعات الحكومية. ويرجع السبب إلى السياسات التي تنتهجها الجامعات الخاصة، والتي تبتعد عن الروتين والبيروقراطية.

لكن في كل ظاهرة نجد معترضين عليها، فثمة عوامل تحمل بعض السمات العادلة لدى المعترضين على الجامعات الخاصة، لكنها في النهاية تكتفي بالاعتراض دون أن تهيئ وتقدم الحلول الجذرية، نذكر منها:

تدني نسب القبول

إن تدني نسب القبول أمر إيجابي لأصحاب المعدلات المنخفضة، إلا أنه يمثل استياء لأصحاب المعدلات العالية الذين يجدون أنه من الظلم أن يثابر الطالب منهم من أجل تحصيل أعلى الدرجات لأجل نيل مقعد في كلية كالطب أو الهندسة، ويأتي طالب آخر لم يبذل أي عناء يذكر في المرحلة الثانوية ليدرس ذات التخصص وينافسه غدا في سوق العمل.

الصفة التجارية

توجه أصابع الاتهام نحو الجامعات الخاصة بأنها موجودة بهدف الربح التجاري فحسب، ويرى المعترضون أن العناية التي توليها هذه الجامعات لطلابها إنما تكون بغرض كسب العيش، وأن من مصلحة الجامعة الخاصة رفع نسب النجاح من أجل الحفاظ على سمعتها، لذلك يتم التساهل في عملية تخريج الطلبة بغض النظر عن أدائهم الفعلي أو مدى استحقاقهم الدرجة الجامعية.

غلاء التكاليف

تتسم الدراسة في الجامعات الخاصة بالغلاء، لاعتمادها على أحدث وسائل التعليم، وأجور الأساتذة الذين تتكفل جهة خاصة بالدفع لهم، إضافة إلى كونها مشروعا خاصا يضع في حسبانه الربح.

قلة التخصصات

إن صغر حجم الجامعة الخاصة وقلة الإمكانات المادية والبشرية، يعنيان قلة التخصصات. فنجد الجامعات الخاصة في الكويت تركز على تخصصات العلوم الإدارية كإدارة الأعمال، واللغة الانجليزية وآدابها وبعض التخصصات النظرية الأخرى.

فإلى الآن لم نجد جامعة خاصة لتدريس الطب أو تلك العلوم الحديثة المتوافرة في البلدان المتطورة كالهندسة الوراثية.

أخيرا، وعلى الرغم من السلبيات التي أشرنا إليها، لابد من الاعتراف أن الأمور نسبية ولا يمكن الحكم على هذه الجامعات بأحكام مطلقة، فهي تتفاوت في مستواها بين الجيد والرديء. كما علينا ألا ننسى أنها تقدم خدمة لا تقدر بثمن لعقول ومستقبل الشبان والشابات ولهذا الوطن، فمجرد وجود هذه الصروح العلمية يرفع من مكانة الكويت العلمية والأدبية ويساهم في القضاء على الكثير من المشكلات، وعلى رأسها استقطاب الأعداد التي لا تستوعبها الجامعة الحكومية المحدودة العدد، كما أنها تقضي على ظواهر مؤلمة كثيرة كاضطرار سفر الشباب من الجنسين إلى الخارج، بما له من تأثير كبير على تكوينهم وبناء الأسرة الكويتية، وتقلل من هدر الأموال الخاصة والعامة.

والجامعات عموما، ما أن تكثر في بلد، مهما كان الحديث عنها والملاحظات بشأنها، فإنها تعد علامة على تقدم ذلك البلد ومؤشرا على نموه العلمي والمعرفي.

back to top