ما قل ودل: ضوابط الممارسة السليمة لمسؤوليات مجلس الأمة بمشاركة حكومة مستقيلة
بعد أن استقر الرأي على حق الحكومة المستقيلة في حضور جلسات مجلس الأمة والمشاركة الكاملة للمجلس في اضطلاعه بمسؤولياته وحقها في التصويت على ما يصدره من قرارات، وأن هذا هو ما يقتضيه مبدأ التعاون بين السلطتين، الذي يفرض على الحكومة المستقيلة استمرار تعاونها مع المجلس لحين تشكيل الحكومة الجديدة، فإن الأمر الذي يجب التنبيه إليه، هو وجوب أن تبادل السلطة التشريعية هذا الموقف المتعاون من الحكومة المستقيلة، بتعاون مماثل، تضع فيه السلطة التشريعية في اعتبارها، المدى الذي يمكن أن يصل إليه تصريف الوزراء للعاجل من الأمور، فيما يخص مشاركة الحكومة المستقيلة السلطة التشريعية في ممارستها لمسؤولياتها، فالحكومة هي شريك أصيل للسلطة التشريعية في هذه الممارسة، فالوزراء هم أعضاء في مجلس الأمة، منتخبون أو غير منتخبين، وتستمر عضوية هؤلاء إلى أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة، وهم ثلث أعضاء مجلس الأمة.ومن هنا، وفي سياق هذا التعاون، فإن على الحكومة المستقيلة الحذر من أن تنطوي مشاركتها لمجلس الأمة مسؤولياته، خلال هذه الفترة، على مصادرة حق الحكومة الجديدة، بل واجبها في أن تتقدم فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذاالبرنامج، إعمالا للمادة 98 من الدستور، أو مصادرة لحق الحكومة الجديدة فيما قد تقرره من سياسات عامة جديدة، قد تختلف جذرياً عن السياسات التي سبق أن أقرتها الحكومة المستقيلة، وقدمت برنامجها على أساسها إلى مجلس الأمة، خصوصاً أن تغيير الحكومات، غالباً ما يكون الهدف منه تغييراً في السياسات وإجراءً لإصلاحات، قد يكون للحكومة المستقيلة رأي مغاير فيها، ومن حق الحكومة القادمة أن تدافع عن سياساتها الجديدة أمام مجلس الأمة، وأن تُعطى الفرصة لذلك.
وفي سياق هذا التعاون أيضاً فإن على مجلس الأمة أن يُعِين الحكومة على ذلك، بل إن نصوص الدستور وروحه والممارسة الدستورية السليمة تفرض الالتزام بالحدود والضوابط التي تقدم ذكرها في هذه الممارسة.فمن حق الأعضاء أن يتقدموا بما يعن لهم من اقتراحات بقوانين، واقتراحات برغبة وأسئلة برلمانية، وطلبات مناقشة لا ترتبط بسياسات عامة طويلة الأمد، بل بسياسة الحكومة المستقيلة في مواجهة أزمة طارئة وعارضة، لا تحتمل انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، ومن حقهم طلب تشكيل لجان تحقيق برلماني. ولكن ليس من حق الحكومة المستقيلة أن تتقدم بمشروعات قوانين، إلا ما يكون منها في حالات الضرورة لاتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، ومن حق الوزراء في الحكومة المستقيلة أن يُسمع كلامهم كلما طلبوا ذلك في المجلس، ومن واجبهم الإجابة عن الأسئلة البرلمانية وعن الاقتراحات برغبة، وأن يحضروا اللجان التي تطلب حضورهم فيها، لإنجاز ما لديها من أعمال.ويستطيع مجلس الأمة بالتعاون مع الحكومة، إنجاز كثير من المسائل المدرجة على جدول أعماله، مثل الأسئلة البرلمانية لسماع رد الوزير وتعقيب العضو، لاستبعاد عدد كبير من الأسئلة التي تمت الإجابة عنها، ولإنجاز ما قدمته لجان المجلس من تقارير في القرارات والرغبات العامة والعرائض والشكاوى، ولإنجاز المعاهدات التي أبرمتها الدولة، سواء تلك التي يكتفي الدستور بإخطار المجلس بها، أو تلك التي يتطلب الدستور لنفاذها وجوب صدور قانون بها.ومن حق مجلس الأمة إقرار تشريعات الضرورة التي تتضمن اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، أما غير ذلك من قوانين، تحتمل الانتظار، فإن على مجلس الأمة والحكومة المستقيلة انتظار التشكيل الجديد لها، فالحكومة الجديدة هي التي ستقوم بتنفيذ هذه القوانين وإصدار لوائحها التنفيذية، ومن حقها أن تبدي رأيها فيها، ولا نستبعد حتى بالنسبة إلى مشروعات القوانين التي سبق للحكومة أن قدمتها إلى مجلس الأمة قبل استقالتها، أن تأتي الحكومة الجديدة فتقرر سحبها.ولا ريب في أن إنجاز هذا الكم الهائل من المسائل والموضوعات، التي لا يتعارض إنجازها مع مشاركة حكومة مستقيلة في اجتماعات المجلس، بل تصويتها عليها، سوف يتيح للسلطتين إعطاء الأهمية المطلوبة، للقوانين المهمة التي طال انتظارها، عندما تُشكل الحكومة الجديدة.