في حربين قاسيتين على الامبراطورية الفارسية القديمة في عامي 1813 و1826م استطاع القياصرة الروس أن ينتزعوا السيادة من بساط السلالة القاجارية على أجزاء واسعة من القوقازين الشمالي والجنوبي وآسيا الوسطى أو المركزية، كان من بينها جورجيا التي يسميها الإيرانيون بـ«كرجستان».

Ad

وجورجيا هذه كانت قديما مملكة مسيحية أرثوذكسية مستقلة قبل أن تنتقل من سيادة إلى أخرى، إلى أن استعادت استقلالها من جديد في عام 1992 من القرن الماضي إثر انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.

ولأن جورجيا تقع في النقطة الفاصلة أو الرابطة بين آسيا وأوروبا، وهي النقطة التي تسمى «أوروآسيا»، فإن لها موقعا جيوسياسيا مهما للروس من جهة، كما للأتراك والإيرانيين من جهة ثانية.

فكيف إذا ما صارت هي الجسر الرابط لتدفق نفط جمهورية أذربيجان إلى المياه الدولية الحرة في البحر الأسود، وربما طريق إيصال الطاقة عموما ليس فقط الى جمهورية أذربيجان، بل والى القوقاز الجنوبي وآسيا الوسطى عموما!

فعندما اكتشف العالم الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مخازن وموارد الطاقة الكبيرة في كل من تركمانستان وأذربيجان، ويومها سُميت تركمانستان بـ«كويت» بحر الخزر، بدأ التنافس عمليا على القوقاز الذي ظل خفيا في البداية ثم سرعان ما انتقل إلى العلن بين كل من إيران وتركيا وروسيا على مَن سيكون الجسر الذي منه تعبر أنابيب الطاقة القوقازية لإيصالها إلى المياه الحرة فيتحكم من خلالها بشريان الحياة الغربية، إلى أن تمكن الغربيون من التحكم في جورجيا عبر ما سمي بالثورات الملونة، وكان من بين ما كان الأنبوب الذي ينطلق من باكو عاصمة أذربيجان، ليمر بتبليسي عاصمة جورجيا، وصولا إلى ميناء جيهان التركي الواقع على البحر الأسود!

وهذا الأنبوب هو ثاني أكبر أنبوب نفطي في العالم أنشأته شركة نفطية بريطانية هولندية مشتركة في إطار اتحاد مالي (كونسورتيوم) دولي، الهدف منه تقليل اعتماد الغرب على النفط الروسي، وقتها قالت شركة «بي بي» البريطانية النفطية إنه سيعمل لمدة سبعة أيام ثم يتم إغلاقه.

هذا إضافة إلى خطين آخرين أحدهما للنفط والآخر للغاز يمران من الأراضي الجورجية أيضا وللغرض نفسه، وقد تم إغلاقهما بسبب عدم الاستقرار وتفاقم النزاعات في الجمهورية الحديثة الولادة!

إيران كانت ولاتزال تحلم بأن تمر أنابيب الطاقة كافة من آسيا الوسطى والقوقاز عبر أراضيها إلى المياه الدافئة جنوبا لتتحكم في أسواق أوروبا، وهو ما حاولت وزيرة خارجية أميركا مادلين اولبرايت بتفويض من بيل كلينتون يومها أن تساوم عليه إيران سياسيا من دون جدوى!

روسيا هي الأخرى حاولت بجهد كبير أن تتحكم في هذه الأنابيب أو في جورجيا كلها حتى بعد الاستقلال، ولكن من دون جدوى أيضا!

لكن الغرب نجح بالمقابل في اختطاف هذا الموقع الجيوسياسي المهم، ومن ثم الأنابيب عبر شركاته المتعددة الجنسية، فربحت تركيا العضوة في حلف الناتو!

الآن وبعد أن اندلعت الحرب بين الغرب وموسكو على الأنابيب وعلى الموقع الجيوسياسي لجورجيا، ثمة مَن يعتقد أن ذلك من شأنه أن يشكك من جديد في نجاعة فكرة نقل الطاقة من آسيا الوسطى والقوقاز عبر الأراضي الجورجية إلى المياه الدولية، لاسيما في ظل نذر حرب باردة أميركية - روسية قد تطول!

وهنا بالذات ثمة مَن يتكهن باحتمال عودة بروز فكرة مساومة إيران على خطوط أنابيب بديلة كانت أولبرايت قد عرضتها على طهران، في ظل تزايد احتمالات عودة الديمقراطيين الى الحكم، والإشارات اللماحة الصادرة من طهران تجاه واشنطن!

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني