Ad

إذا أراد كاتب مقال «يوم أن ولدت مصر» الحديث عن لحظات بعينها ومواقف للقيادة السياسية، فهل لنا أن نسأله: هل ولدت مصر يوم مقتل جنود الأمن المركزي على الحدود المصرية في رفح؟ وهل ولدت مصر يوم الإفراج عن عزام عزام؟ أم ولدت يوم اغتيل البحار «السويسي» بنيران السفينة الأميركية الصديقة في قناة السويس؟

عذراً لصدمة العنوان... كتب أحد حملة المباخر وضاربي الدفوف في العهد المباركي مقالا مستفزا «يوم أن ولدت مصر» يتحدث فيه عن ميلاد مصر على يدي سيادته، والمعروف لغويا وطبيا أن الميلاد نقيض الوفاة، وأن يكون الميلاد على يدي شخص وبمواقفه ووجوده فهذا يعني أن الوفاة تحدث برحيله، وهذا هدف خبيث وفكر مريض مرفوض، فمصر لن تموت أبدا ولن تنتهي برحيل شخص مهما كان اسمه، ودون النظر إلى ما فعله أو قدمه لها، فمصر خالدة -بإذن الله- قبله وبعده.

وللأسف لا تقف عورات المقال المستفز على حجم النفاق والرياء الذي فاق ما كان يحدث مع أكاسرة الفرس وأباطرة الروم، بل يعتبر المقال دليلا على فساد الاستدلال والتعبير وتزييف الوقائع ومحاولة التلاعب بالتاريخ، وإذا كان من حقه ككاتب ومسؤول إعلامي في حزب السلطة أن يربط حياته وموته ببقاء رئيسه أو رحيله فهو حر في ذلك، أما أن يتطاول على مصر ويدّعي زوراً وبهتاناً أنها ولدت في هذا العهد المشؤوم فهذا ما لا يقبله أحد.

لقد عاشت مصر لحظات تاريخية كثيرة عبر تاريخها الطويل وحققت إنجازات عملاقة، وكان الشعب المصري العظيم هو البطل الحقيقي وراء هذه الإنجازات كلها، وحديثاً خلال القرن السابق مر الشعب المصري بلحظات ميلاد عملاقة بداية من نضال الزعيم الوطني مصطفى كامل، مروراً بثورة الخالد سعد زغلول، والمد القومي الناصري، ونهاية بملحمة أكتوبر التاريخية التي ساهم فيها الرئيس مبارك كفرد من أفراد الشعب، شأن الملايين من المصريين الذين تحملوا الكثير والكثير إلى أن تحقق هذا النصر التاريخي.

لقد مرت مصر بكل تلك اللحظات التاريخية ولا يمكن الوقوف فقط عند العقدين الأخيرين، والادعاء بأن مصر ولدت فيهما... لقد كانت وقفات الشعب المصري العظيم طوال تاريخه ومعاناته وصبره هي لحظات الميلاد الحقيقي لمصر.

وإذا أراد كاتب المقال الحديث عن لحظات بعينها ومواقف للقيادة السياسية، فهل لنا أن نسأله: هل ولدت مصر يوم مقتل جنود الأمن المركزي على الحدود المصرية في رفح؟ وهل ولدت مصر يوم الإفراج عن عزام عزام؟ أم ولدت يوم اغتيل البحار «السويسي» بنيران السفينة الأميركية الصديقة في قناة السويس؟ أتريد لحظات ميلاد أخرى دعني أذكرك بتصريح القيادة السياسية يوم طالب البعض بمنع مرور البوارج الأميركية في قناة السويس قبيل حرب تدمير العراق، فكان التصريح المدوي وقتها «بمزاجنا هيعدوا غصب عننا هيعدوا» هل تعتبر هذه لحظة ميلاد لمصر؟! أم تعتبر مأساة العبارة والفساد السياسي وبيع مصر أرضا وشعبا وطوابير الخبز هي لحظات الميلاد التي نسيتها سهواً؟ سامحك الله.

سأكتفي بتلك اللحظات من دون غيرها، وأقول فقط للكاتب إنك بمقالك أسأت إلى من أردت مباركته وأخطأت في حق من ذهبت لتهنئته، فلولا مقالك المستفز لما أثرت غضب الملايين من المصريين وسخطهم وشجونهم وجعلتهم يتذكرون ويتذاكرون كل المآسي والمواقف المخزية التي حدثت في العهد المباركي أدامه الله عليك وحرمنا منه.