ثمة رائحة غاز وطاقة نووية في المياه الإقليمية الغزاوية، واستعدادات قد تكون لجولة أوسع، يقال إنها قد تشمل الضفة الغربية هذه المرة أيضا، ولا من محيص سوى الزمن الآتي!

Ad

لقد صمتت المدافع وتراجع هدير الطائرات، وانكفأت الحرب إلى ميدان السياسة نعم، لكن اللعبة الكبرى قد بدأت لتوها عند البعض، لاسيما بعد الصمود الأسطوري الغزاوي الذي غربل الموازين!

فخيبة يونيو «تموز» العام 2006 خلفت كآبة على مستوى القيادة الإسرائيلية كما على مستوى الناخبين، فيما جاءت خيبة يناير 2009 لتخلف إحباطاً مدوياً على مستوى الرعاة الكبار لهذا الكيان المصطنع والهزيل!

فقوة الردع الإسرائيلية، وهي من مقومات هذا الكيان الأساسية منذ تأسيسه، قد تلقت فوق رمال غزة المتحركة ضربة قاصمة، تأتي بعد خسارتها لأول حرب حقيقية لها مع الفلسطينيين، هي الأولى من نوعها على أرضهم، ما يجعل الضرر في قوة الردع والهيبة الإسرائيليتين لا ينحصر بالتصدع فحسب، كما كان قد حصل في يونيو «تموز» من عام 2006، بل سيكون له تداعيات استراتيجية بعيدة المدى.

ومن جهة أخرى، إذا كانت إيران، التي لطالما جيشوا المشاعر ضدها وعبؤوا الحاقدين عليها، وركزوا التحشيد ضدها، هي من كانت وراء صمود المقاومة اللبنانية 33 يوما، وأنها باتت على تخوم الكيان الإسرائيلي على امتداد سواحل المتوسط بعد نصر يونيو «تموز» اللبناني المجيد، فإنها اليوم وبعد خيبة أولمرت الثانية، وحماقة الترويكا الإسرائيلية التي لم تر أبعد من صندوق انتخاباتها الحالي، إنما جعلت إيران تجثم على صدر هذا الكيان المترنح وتصبح الناخب الأول في صندوق ما بعد زوال النظام العنصري الحاكم في تل أبيب!

ليس في ما قيل أعلاه أي شيء من باب التمني أو المبالغة أو الشعار أو العواطف أو الرغبة في رفع المعنويات أو جزء من الحرب الدعائية والنفسية ضد الكيان الإسرائيلي الصهيوني الغاصب، إنها الحقائق على الأرض كما هي ولا غير!

فثمة كميات تجارية هائلة من الغاز الطبيعي مكتشفة منذ بداية القرن الحالي موجودة في المياه الإقليمية الغزاوية، يرفض عالم الكبار السماح باستخراجه، قبل أن يتفاهم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على تقاسم حصصهم فيه مع تجار الموت الإسرائيليين، وهو ما قد يفسر لنا صمت روسيا وترددها وخيبتها وغيابها عن دورها الحقيقي في الموقف من الحرب على غزة، الأمر الذي لن يطول كثيرا، ولابد لموسكو أن تحزم أمرها قريباً وإلا أضاعت عليها فرصة العمر في صناعة العالم الجديد!

وثمة قوة إيمانية عالية جدا تجمعت اليوم في قطاع غزة تحولت مع الزمن إلى فائض كبير من القوة المادية، يتمثل في حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أساسا، ومعها تنظيمات إسلامية أخرى، قطعت شوطا كبيرا في القطع مع الإسلام التقليدي المتواكل الذي كان يرضع حتى الأمس القريب من إسلام فقهاء السلاطين، فيما هو اليوم بات قائما على آلية الاكتفاء الذاتي التي تجعل منه واحداً من أهم أذرع الإسلام السياسي القادرة على خلق معادلة نوعية جديدة من توازن الرعب يصعب تخطيها من جانب أعتى قوى الردع في العالم، فما بالك بكيان هزيل بات على شفا حفرة من الهاوية والزوال!

وأخيراً وليس آخراً فإن غزة هاشم هذه التي تخرج اليوم منتصرة وقوية ومرفوعة الرأس، رغم الحصار وسد المعابر، وكل مدافع وقذائف الموت والدمار، لن تكون نفسها غزة هاشم، ما قبل ذلك كله بالتأكيد، فهي اليوم قد حررت بأيد إيمانية نظيفة وطاهرة، وهي باتت هانوي الفلسطينيين التي لابد يوما ستتداعى آثارها على سايغون العرب، ناهيك عن سايغون الفلسطينيين، وهذه المرة «مدججة بالنووي الإيراني «نفوذا وموقعا ودورا»!

أليس هذا هو ما تقولون وتفسرون وتشيعون وتحشدون وتعبئون ليل نهار؟! ألم تعيّر ماكينة دحلان-دايتون الدعائية «حماس» بأنها «شيعية» وإيرانية الهوى؟! ألم توقع الخائبة والمندحرة ولايتها وصاحبة الحمل العقيم للشرق الأوسط الجديد الكوندارايس مع القاتلة المحترفة المنقضية خدمتها في الموساد تسيفي ليفني اتفاق الخيبة الاستراتيجي في آخر أيام العدوان، على ما سموه باتفاق السيطرة على تهريب السلاح، من جانب إيران وسورية، إلى غزة في محاولة لحفظ بقية من ماء وجه أريق على رمال غزة المتحركة؟! وبالتالي أليست هذه هي إذن موازين غزة ما بعد الخيبة الثانية لترويكا الردع الإسرائيلي المندحر على بوابات غزة هاشم «النووية»؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني