لي طاحت الرأسمالية... كثرت سكاكينها

نشر في 16-10-2008
آخر تحديث 16-10-2008 | 00:00
 ضاري الجطيلي مسلية، وفي الوقت نفسه مثيرة للأسى، مراقبة انقضاض التيار الإسلامي على الرأسمالية في محاولات يائسة لحشر الدين بها عبر ربط الأزمة المالية العالمية- بانتهازية أو سذاجة- بحرمة الربا، مع تجاهل العوامل والمعطيات الواجب أخذها في الاعتبار عند تحليل أزمة بهذا الحجم. فأحدهم يفتي بأن ما يحدث نتيجة للربا، وآخر يضرب المثل بنجاة المؤسسات «الإسلامية»، وغيرهما وجدها مناسبة لتفريغ حقده على دول وأمم إما غيرة من تقدمها وإما لمجرد أنهم لا يعبدون الإله نفسه، وجميعهم اشترك بتغييب الموضوعية والتذاكي على عقل القارئ.

إن للرأسمالية إيجابياتها وسلبياتها شأنها شأن أي نظام اقتصادي آخر، ولأننا نعيش في عالم متحرك وزمن لا يتوقف، فإن من البديهي أن التطرف في تطبيق أي نظام والجمود أمام المتغيرات من حوله يؤدي إلى تضخيم سلبياته، وهذا جزء كبير مما يحدث حالياً، إذ بدأ العالم يشعر بتبعات التطرف الرأسمالي الذي قاده الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر في الربع الأخير من القرن الماضي، إذ جبلا أثناء حكمهما على تجريد السوق من القوانين المنظمة له وإشراف الدولة عليه إيماناً بفكر آدم سميث القائم على حرية السوق المطلقة، إلى أن أصبح الربح هو المحرك الأوحد لقوى السوق دون وجود ما يلجمه عن تجاوز حد الجشع والمسؤولية الاجتماعية.

إذن الأزمة في الأسواق المتقدمة تعود بأسبابها إلى شح التقنين والتنظيم والرقابة، والدليل الحي على ذلك انحسار تأييد المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية جون ماكين منذ بدء الأزمة كونه من أبرز مناهضي تقنين السوق وتنظيمه. لقد أصبحت المؤسسات المالية المختلفة تغامر وتخاطر في الدخول في غير اختصاصاتها الأساسية، فأصبحت شركات التأمين تمنح القروض، وشركات التمويل تضارب في العقار بدلاً من تمويله، وشركات الاستشارات تدير المحافظ الاستثمارية، والبنوك تبالغ في تقييمها للأصول المرهونة حتى ترفع هوامش أرباحها. فاختلطت الاختصاصات في ظل غياب التنظيم والرقابة من قبل الدولة، وأصبح السوق فقاعة امتد نفخها لعقود من الزمن وحان وقت انفجارها وعودتها إلى حجمها الطبيعي. وقدر الأسواق الناشئة والصغيرة أن يرتبط مصيرها بالمتقدمة في زمن العولمة والاقتصاد المتداخل، لذلك هي ليست بمعزل عن التأثر بهزاتها.

إن الأزمة العالمية استثنائية ودروسها تاريخية لا تعوض، إذ أثارت نقاشاً حول مبادئ الرأسمالية ومسلّماتها، وهو نقاش صحي وضروري لتنشيط العقل وتجديد أفكاره، ولكن ينبغي أن يكون موضوعياً حتى تعم فائدته، ويستحيل ذلك حينما يُربط بتفسيرات غيبية وغير منطقية.

Dessert

منذ آخر أزمة كساد عظيم قبل ثمانين عاما والرأسمالية تصنع فرص الثراء لكل مبدع، وتخلق فرص العمل، وتنتج الاختراعات المفيدة، والثمن الذي تدفعه البشرية مقابل ذلك هو القبول بطبيعتها الدورية صعوداً ونزولاً، حبذا لو يؤتى لنا بنموذج اشتراكي- أو في هذه الحالة «إسلامي»- واحد ناجح وله الاسهامات والديمومة نفسيهما.

back to top