لا يستطيع أي تحليل سياسي مهما أوتي من إحاطة وإدراك أن يرصد حجم التداعيات السلبية في حال أخفقت «فتح» و«حماس» في الوصول إلى مصالحة توحد الصف الفلسطيني، للوفاء باستحقاقات مصيرية ومواجهة تحديات عنيفة مقبلة، عبر الوساطة المصرية، التي نشطت، في هذا الصدد، منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة في يناير الماضي.

Ad

ولعل تلك الصعوبة الكبيرة في إدراك تلك التداعيات كانت سبباً في أن ينظر الجميع إلى الجولات المتتالية من المفاوضات الماراثونية بين «فتح» و«حماس» على أنها إجراءات ضرورية للوصول إلى غاية حتمية، وعملية مبرمجة تقود إلى نتيجة محددة ومعلومة سلفاً، لأن تلك النتيجة تمثل حلاً وحيداً لمشكلة عميقة طاغية، وليست خياراً بين بدائل يمكن الوصول إلى أحدها واستبعاد آخر.

لكن التحليل الوافي لمسار الحوار الوطني الفلسطيني يفيد أن احتمال الفشل قائم. ثمة تسريبات صحافية مصرية تشير إلى أن القاهرة هددت بالتوقف عن جهودها في رعاية الحوار الوطني الفلسطيني بعد تأجيل هذا الحوار ثلاث مرات، على خلفية استمرار الخلافات المفصلية بين «فتح» و«حماس»، خصوصاً في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، وملفات الانتخابات وأجهزة الأمن، ومنظمة التحرير الفلسطينية.

الحركتان نفتا أن تكونا قد بُلغتا بمثل تلك التهديدات، لكن احتمال أن يخفق الجانبان في التوصل إلى اتفاق في الجولة المقرر أن تبدأ غداً قائم، وهو احتمال سيضع القاهرة تحت ضغوط هائلة، وسيكرس فكرة أن أطرافاً خارجية ذات تأثير على جانبي التفاوض الأساسيين لا تريد لهذا الأمر أن ينجح، وقد يقود إلى تغيير في الاستراتيجية المصرية. ثمة الكثير مما يرشح عن أسباب الإخفاق المتتالي في الوصول إلى اتفاق بين الجانبين؛ ومن تلك الأسباب أن «إصرار اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي على اعتراف أي حكومة فلسطينية مقبلة بدولة إسرائيل» يضع «حماس» في موقف صعب، ويحول دون إنجاز المصالحة.

لكن الحركتين تتبادلان الاتهامات بانتظام، وتحملان بعضهما بعضا المسؤولية عن عدم إحراز أي تقدم على مدى جولات التفاوض الثلاث، بسبب ما تدعيه كل منهما عن الأخرى من أنها «لا تتحلى بالمرونة الكافية»، لحسم موضوعات مهمة وخطيرة.

أما الفصائل الفلسطينية الناشطة الأخرى، فتتحدث من جانبها عن أسباب مختلفة؛ منها أن «اقتصار الحوار على الحركتين الفلسطينيتين الرئيستين من دون باقي الفصائل الوطنية لا يترك فرصة كبيرة لإدراك النجاح»، أو كما قال قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: «إن الحركتين سعتا لتحقيق مصالحهما الخاصة، إذ حاول أبو مازن جر «حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية خلف برنامجه الذي أثبت فشله... بينما كانت «حماس» تتحاور بمنطق الحصول على أكبر قدر من كعكة السلطة».

ولا شك أن حسم المسائل الخلافية بين الحركتين غاية في الصعوبة، خصوصاً ما يتعلق منها بالبدء في عملية إعمار قطاع غزة، والتصرف في الأموال الممنوحة لهذه العملية، وإعادة تنظيم الأجهزة الأمنية، وهيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، والتهيئة لشكل الحكومة المقبلة، والانتخابات، ومسألة الحدود، وغيرها من المسائل الحيوية والشائكة.

وثمة ما يضيف إلى أسباب الإخفاق سبباً آخر؛ إذ تنظر «حماس» إلى الوسيط المصري على أنه «قد يكون جديراً وقادراً، ولكنه ليس محايداً» في أفضل الأحوال. ربما لا تشك «حماس» في أن مصر تريد للحوار أن ينجح وللمصالحة أن تتم، بالنظر إلى أن هذه الغاية تصب مباشرة في مصلحتها الوطنية، لكن الحركة تعرف هواجس عديدة في ما يتعلق بنظرة الحكومة المصرية إليها، وفي الطريقة التي تدير بها الوساطة انطلاقاً من تلك النظرة.

فقد اشتكت «حماس» كثيراً من أن القاهرة تتعاطى مع «فتح» عبر الأقنية الدبلوماسية ومن خلال وزارة الخارجية، فيما لا يتم التعامل مع «حماس» سوى عبر جهاز الاستخبارات، في دلالة على «عدم الحياد»، و«النظرة الأمنية» المصرية للحركة، والربط الدائم بينها وبين جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة في مصر، واعتبارها امتداداً لها بشكل أو بآخر.

ودخل «العنصر الإيراني» على الخط، فزاد هواجس القاهرة حيال «حماس»، خصوصاً عقب الكشف عن خلية «حزب الله- فرع مصر»، واعتراف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بأن قائد الخلية أحد عناصر الحزب، وكان مكلفاً بـ«تقديم الدعم اللوجيستي للمقاومة الفلسطينية، عبر تزويد الفلسطينيين بالسلاح عبر الأراضي المصرية».

تنظر القاهرة إلى إنجاح الحوار الفلسطيني وحسم الصراع بين «حماس» و«فتح» على أنه «ضرورة استراتيجية ومصلحة قومية» من جهة، ودليل دامغ على قدرتها السياسية ومكانتها الإقليمية من جهة أخرى، ومنازلة مع «التهديد الإيراني» وبعض ممن يتبع أجندته في العالم العربي من جهة ثالثة، ولذلك فهي تبذل جهوداً كبيرة في سبيل إدراك هذا النجاح.

ومن استمع إلى خطاب الرئيس مبارك الذي ألقاه يوم الخميس الماضي في ذكرى الاحتفال بتحرير سيناء، يعرف أنه أبدى عزما واضحاً على المضي قدماً نحو إنجاز تلك المصالحة، وأنه يدرك أن إيران تعمل على إفشال هذا الأمر؛ إذ حمل على «قوى إقليمية تعادي السلام وتغذي الخلافات على الساحتين العربية والفلسطينية».

ومع ذلك، فمازالت ذرائع التعثر قائمة، والتدخلات الإقليمية ناشطة، بشكل يسمح بطرح سيناريو فشل المصالحة، مما قد يؤدي إلى حرب أهلية فلسطينية، أو يسهل لإسرائيل شن عدوان جديد على الفلسطينيين، خصوصاً في ظل وجود حكومة مثل تلك التي تحكم في الدولة العبرية حالياً، وهو الأمر الذي سيشكل ضرراً على المصالح الفلسطينية والعربية قد لا يمكن تداركه ولا حساب تداعياته.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء