هؤلاء القراصنة: نظرة مغايرة

نشر في 29-04-2009
آخر تحديث 29-04-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

تقول حكاية من حكايات القرصنة في التاريخ، إن قرصاناً عاش ومات في القرن الرابع قبل الميلاد، فقبضُ عليه وجيء به إلى الاسكندر المقدوني، الذي أراد أن يعرف منه سبب قيامه بالقرصنة، وأعمال السرقة في البحر.

ابتسم القرصانُ، وقال للاسكندر:

- وأنت، ما سبب استحواذك على الأرض كلها؟

وتابع يقول:

أنا أُدْعى لصّاً، لأنني أستخدمُ سفينتي الصغيرة، أمّا أنت الذي تستخدم أسطولاً ضخماً، فتُدْعى إمبراطوراً.

وهو ما يعني أنهم كلهم قراصنة، ولكن بعضهم يدعون لصوصاً، والبعض الآخر أباطرة.

وهذا ما يتم الآن في العصر الحديث.

-2-

كتب يوهان هاري في صحيفة «الاندبندنت» اللندنية، مقالاً لا يدافع فيه عن القرصنة البحرية الصومالية هذه الأيام، والتي أزعجت العالم كله، واستنفرت حراس شواطئه وقواته البحرية، بحيث نرى أننا وفي هذا العام 2009 أن حرباً عالمية قد أُعلنت على القراصنة الصوماليين. وهذه الحرب في بدايتها الآن، وتمثلت في إرسال سفن عشرين دولة، بما فيها أميركا، والصين، واليابان، ومعظم الدول الأوروبية، بقيادة البحرية الملكية البريطانية إلى المياه الإقليمية الصومالية، للقبض على القراصنة، ومطاردتهم بحراً وبراً. ولكن القراصنة يزدادون يوماً بعد يوم. فالقرصنة، كانت على مر التاريخ تجارة رابحة غير مكلفة، وسهلة الخطوات في معظمها. وربما يتحول الشعب الصومالي كله إلى قراصنة، فيما لو أغمض العالم عينيه عن المأساة الصومالية، وسد أذنيه عن سماع التقارير المفجعة، التي تنشرها بعثات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، يوماً بعد يوم.

-3-

ولكن يوهان هاري، يقترح حلاً جذرياً لمشكلة القرصنة البحرية الصومالية، التي استفحلت هذه الأيام، ليس عن طريق القوة العسكرية غير المجدية، ولكن عن طريق مساعدة الصوماليين على إصلاح بلادهم من الداخل، ومساعدتهم سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وكفِّ الأذى عنهم، وعن شواطئهم، التي أصبحت مدافن للنفايات النووية.

ويؤكد هاري أن اتباع أساليب غير القوة العسكرية اللامجدية، بحيث يقتلون في اليوم عشرة قراصنة، ليظهر لهم في اليوم التالي مئة غيرهم، وهكذا. ويقترح التالي كحل ناجع لمنع القرصنة البحرية الصومالية:

1- منذ أن انهارت الحكومة الصومالية في 1991، كان هناك تسعة ملايين جائع في الصومال، يقفون على شطآن الصومال، ويرون السفن المحملة بالمواد الغذائية والمساعدات، ولا يطولون منها شيئاً. ومن هؤلاء برزت مجموعات القرصنة الصومالية، وعلى الأمم المتحدة، وهيئات الإغاثة، أن تمدَّ يد العون لهؤلاء الجياع، وإلا ازداد عدد القراصنة الصوماليين يوماً بعد يوم.

2- هناك تقارير تقول إن قوى شريرة غربية استغلت (الفلتان) السياسي والأمني، الذي يسود الصومال منذ 1991 إلى الآن، لسرقة الصومال وموارده الغذائية، وعلى الدول الكبرى «المحترمة» التأكد من هذا الأمر، ومنعه، وإلقاء القبض على لصوص الصومال، وليس على اللصوص الصوماليين.

3- تقول بعض التقارير، إن مجموعات من المافيا العالمية، بدأت تدفن كميات من النفايات النووية في الصومال، وعلى شواطئ الصومال، مما أفقد الصومال كميات كبيرة من الثروة السمكية. وما حملات القرصنة الصومالية على السفن الغربية، المُحمَّلة بما لذَّ وطاب، والفدية بملايين الدولارات التي يطلبونها، غير انتقام عشوائي لما تفعله المافيا العالمية. وعلى القوى الكبرى «المحترمة» حماية الصومال، من هذا الشر المستطير.

4- تقول بعض التقارير، إنه بعد عام 2005، وبعد كارثة التسونامي، وصلت إلى شواطيء الصومال مئات البراميل الممتلئة بنفايات نووية. وإن أحمدو وِلد عبدالله، موفَد الأمم المتحدة إلى الصومال يؤكد، أنّ هناك مَن يدفن موادّ نوويةً في الصومال. وهناك رصاصٌ أيضاً ومعادنُ ثقيلةٌ مثل الكادميوم والزئبق. وقد مات الكثير من الصوماليين نتيجة ذلك. وأن الحكومات الأوروبية، لا تفعل شيئاً حيال ذلك.

5- يشكو الشعب الصومالي وبعض قادته، من اعتداء سفن الصيد الأجنبية على مياههم الإقليمية، ونهب الثروة السمكية من هذه المياه، في ظل غياب السلطة السياسية، والعسكرية، والأمنية الصومالية، وحالة الفوضى التي تعمُّ معظم أنحاء الصومال. ويقول بعض القراصنة الصوماليين، إن أعمال القرصنة التي يمارسونها والفدىات التي يتقاضونها، ما هي إلا جزء يسير مما نهبه الغربيون، خصوصا من الثروة السمكية من مياههم الإقليمية. وتقول بعض التقارير، إن هناك أكثر من 300 مليون دولار من سمك التونة والروبيان واللوبستر وسواها، تُسرَق سنوياً بسفن صيدٍ عملاقةٍ، تبحرُ بطريقةٍ غير مشروعةٍ في مياه الصومال غيرِ المحميّة. ويقول أحد صيادي الأسماك القُدامى، إننا فقدنا وسيلة عيشنا، ولم يعد أمامنا من باب رزق غير باب رزق القرصنة. ونحن نعلم أنه سرقة. ولكن ما نقوم به هو سرقة مقابل سرقة. سرقة الغربيين، مقابل سرقتهم لنا، في نواح مختلفة.

-4-

ما شعور الشعب الصومالي تجاه ما يقال، وينشر عن قراصنتهم؟ هل هم منزعجون مما يقال، إنهم أعادوا «عصر القرصنة الذهبي» في القرنين السابع والثامن عشر، إلى القرن الحادي والعشرين؟

لقد كان القراصنة في القرنين السابع والثامن عشر، في كتب التاريخ، يعتبرون لصوصاً وأشراراً، وكان الموت هو الحكم العادل في حقهم في معظم الأحيان. ولكنهم من ناحية أخرى، وفي قراءة ونظرة مغايرة، كانوا يُعتبرون متمردين، على تعسف وطغيان قباطنة السفن. وعندما كانوا يثورون على الظلم وطغيان القباطنة، كانوا يستولون على السفينة، وينتخبون منهم قبطاناً، ويقتسمون الغنائم بالعدل والقسطاط فيما بينهم. ويورد يوهان هاري قول المؤرخ ماركوس ردِيكر، في كتابه «أشرار الأمم جميعها»، بأن هؤلاء القراصنة، كانوا يتقاسمون الغنائم بطريقةٍ أكثر عدلاً، مما كان سائداً في توزيع الثروة في القرن الثامن عشر. وكانوا يساوون بين العبد والسيد، والأبيض والأسود. وهؤلاء، مَنْ أقنع العالم، بأن السفن يمكن أن تُدار وتُقاد بطريقة أفضل، فيها الكثير من العدل والمساواة. ومن هنا كان صيت هؤلاء القرصان مدوياً، وشعبيتهم عظيمة، رغم أنهم لصوص سارقون.

فهل هذا هو واقع الحال مع القراصنة الصوماليين الآن؟

يقول موقعٌ مستقل لأخبار الصومال على الانترنت، من خلال استبيان أجراه، إن 70 في المئة من السكان «يؤيدون تأييداً شديداً، القرصنةَ، باعتبارها شكلاً من أشكال الدفاع الوطني عن مياه البلد الإقليمية»، في ظل غياب السلطات الصومالية.

ألم يُشرّع جورج واشنطن القرصنة، حيث كان يدفع مبالغ ضخمة للقراصنة في القرن الثامن عشر، لحماية مياه أميركا الإقليمية، وواصل الآباء المؤسسون هذا النهج؟

إن العالم بحاجة إلى دراسة ظاهرة القرصنة الصومالية بجدية، والإجابة عن كثير من الأسئلة.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top