-1-

Ad

في أثناء الحملة الرئاسية الانتخابية الأميركية الأخيرة لأوباما، كان يشير ويركز على ضرورة فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي على وجه الخصوص، بعد أن اشتبكت أميركا بفعل كارثة 11/9/2001 مع العالم الإسلامي، بما فيه العالم العربي، اشتباكاً تاريخياً كبيراً، وانشغلت أميركا بسياسييها، ومثقفيها، وصحافييها، وأكاديمييها بالعلاقة مع العالم الإسلامي قديما وحديثاً، وصدرت مئات الكتب، وآلاف الأبحاث الأكاديمية، تُناقش وتُفصّل وتُفكِّك كل ما يحيط بالعالم الإسلامي من سياسة، واقتصاد، واجتماع، وثقافة، وتربية... إلخ، وتصدَّى كبار المؤرخين الأميركيين لمراجعة آرائهم والكتابة من جديد عن هذا العالم.

وكان الأولى بأوباما، وهو من أبٍ مسلم، ورئيس من حزب مختلف للحزب، الذي حكم أميركا منذ 2001 إلى 2008، أن يكون حال العالم الإسلامي، وإعادة العلاقة والشراكة مع هذا العالم من أولوياته المهمة، وكان الأمر كذلك، وكان اختياره لتركيا اختياراً موفقاً، لكي تكون نافذته على العالم الإسلامي، ويخاطب من منبرها هذا العالم، ويبلِّغه ملامح العلاقة الأميركية المستقبلية معه.

-2-

كانت بعض التوقعات تقول، إن أوباما سوف يختار القاهرة، لتكون المنبر الذي يخاطب منه العالم الإسلامي، ويبلغه الرسالة الأميركية الجديدة، ومن هنا، بدأت القاهرة تتخذ بعض الخطوات الإيجابية نحو المعارضة، لتحسين صورتها في المرآة الأميركية، فأفرجت عن المعارض أيمن نور زعيم حزب الغد، وتمَّ تجميد الإجراءات المتخذة بحق الناشط السياسي المعارض في الخارج سعد الدين إبراهيم، واستعدَّ الأزهر لزيارة تاريخية له من أوباما، نصف المسلم ونصف المسيحي. وكانت القاهرة، تعتقد أن معاهدة كامب ديفيد 1979، وعلاقتها المميزة مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وسياسة الاعتدال التي تنتهجها في الشرق الأوسط... كل هذه العوامل ستكون رصيدها الإيجابي، لكي يقع خيار أوباما عليها، لتكون فاتحته إلى العالم الإسلامي، ولكن أوباما اختار تركيا، لكي تكون ذلك المنبر، وتلك الفاتحة لعدة أسباب منها:

1- أن تركيا هي البلد الشرق أوسطي الإسلامي الديمقراطي النموذجي الوحيد، الذي تطمح أميركا أن ترى نموذجه في كل بلدان المنطقة.

2- أن تركيا حليفة أميركا، وترتبط معها بحلف كبير ومهم، وهو حلف الناتو.

3- أن تركيا يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في إقرار السلام في المنطقة بين العرب وإسرائيل، وإقامة الدولة الفلسطينية، وكان دورها مشجعاً وواعداً، في محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسورية، قبل العدوان على غزة، في نهاية 2008 وبداية 2009. كما تقوم تركيا بدور الوسيط الخفي، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وكذلك دورها في تدعيم الأمن والاستقرار في العراق، كما جاء على لسان غول الرئيس التركي في زيارته الأخيرة إلى بغداد.

-3-

لقد أيقن أوباما بحسه العلمي والتاريخي والسياسي كأستاذ سابق للقانون الدولي، وكسياسي أميركي بارع، أن مشاكل أميركا مع العالم الإسلامي بما فيه العالم العربي، لا يمكن لها أن تُحلَّ من دون التعاون، ومن دون بناء جسور من الشراكة الفعلية بين أميركا والعالم الإسلامي، وأن تعاون العالم الإسلامي مع أميركا في كل النواحي، يمكنه أن يوفر على أميركا الكثير من أوجاع الرأس، والمشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية كذلك. وأن القضاء على الإرهاب- وهو المشكلة الكبيرة التي تواجهها أميركا مع العالم الإسلامي- لا يمكن القضاء عليها إلا من خلال الشراكة الأميركية للعالم الإسلامي.

ومن هنا، قرر أوباما أن يزور أكثر البلدان الإسلامية تقدماً وديمقراطية، وهو تركيا، ويوجّه من منبرها رسالته الناعمة إلى العالم الإسلامي، فكما استطاع أوباما أن يسوّق بنعومة سياسة أميركا للجماهير الأوروبية، فيما يتعلق بالطاقة والتغير المناخي، فإنه سيكون قادراً كذلك في رسالته إلى العالم الإسلامي أن يسوّق شراكة العالم الإسلامي مع أميركا في القضاء على الإرهاب، ونشر الديمقراطية، واتخاذ ديمقراطية تركيا مثالاً ممتازاً.

فما مضمون الرسالة التي أراد أوباما إبلاغها إلى العالم الإسلامي- بما فيه العالم العربي بالطبع- من فوق المنبر التركي، في أول خطاب يوجهه إلى المسلمين حول العالم، والذي ألقاه أمام الجمعية الوطنية التركية؟

-4-

لقد أراد أوباما أن يؤكد للعالم الإسلامي عدة حقائق جديدة في عهده الجديد منها:

1- أن أميركا تريد إصلاح ما أفسده عهد بوش السابق، خلال الثماني سنوات الماضية. كما تريد إعادة الثقة المتبادلة بينها وبين العالم الإسلامي.

2- أن أميركا ليست هي العصا الغليظة في وجه العالم الإسلامي. وأن أميركا لا تريد من العالم الإسلامي، أن يكون حليفاً بل شريكاً لها، في كل ما يهم هذا العالم. وقال: «إن شراكاتنا مع العالم الإسلامي حاسمة، في وضع حدٍ لأيديولوجية العنف التي يرفضها أتباع جميع الديانات». وتابع أوباما قائلا أمام البرلمان التركي: «المستقبل يعود لمن يبتكر وليس لمن يُدمِّر، وهذا هو المستقبل الذي يتعين علينا العمل من أجل تحقيقه، وعلينا القيام بذلك معاً».

3- إن علاقة أميركا مع العالم الإسلامي، ستقوم على البراغماتية، أكثر مما تقوم على الأيديولوجيات المتصارعة.

-5-

فما الجديد في رسالة أوباما؟ وما الفرق بين رسالة بوش السابقة، ورسالة أوباما الجديدة إلى العالم الإسلامي؟

يقول المعلقان الأميركيان: مايكل شير وكيفن سوليفتنفي في مقالهما (زيارة تركيا وسياسة أوباما تجاه العالم الإسلامي) في «الواشنطن بوست»، «الحقيقة أن خطاب أوباما عن الإسلام، لا يفترق كثيراً عن إشادة الرئيس السابق بوش بالإسلام، كدين للسلام والقيم الإنسانية، التي تم تشويهها من قبل المتطرفين الذين يقتلون باسمه. لكن غزو بوش للعراق، واعتقاله للمسلمين في غوانتانامو، وعزله لإيران، ثم انحيازه السافر لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، وفي حربها على «حزب الله»، دفع بالعديد من الدول الإسلامية إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية تكنُّ مشاعر عداء للدين الإسلامي. ولتغيير سياسة بوش، مدَّ أوباما يده إلى إيران، وأمر بإغلاق معتقل غوانتانامو، بل أبدى اهتماماً مبكراً بتسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بتعيينه مبعوثا شخصيا في الشرق الأوسط، وبلّور مساعدوه مقاربة جديدة تجاه العالم الإسلامي، تتجاوز مجرد التصدي للإرهاب، لتشمل مجموعة من المصالح المشتركة تغطي مجالات شتى، مثل التجارة، والتعليم، والرعاية الصحية».

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء