العمالة البسيطة في الكويت تعاني أبشع انتهاكات حقوق الإنسان، وعلى نطاق واسع، حيث تعيش الأغلبية العظمى من العمالة في حالة من الجحيم، بلا رحمة وبلا كرامة، وفي ظل ظلم بلا حدود. ويكفي فقط أن نتخيل الآلاف من البشر يُرغَمون على السكن في أوكار جماعية، ولا تصرف لهم رواتبهم التي لا تتجاوز أصلاً 30 ديناراً شهرياً، لمدد قد تزيد على نصف العام.الإضرابات التي تشهدها بعض المرافق الحيوية في الدولة، كمحطات الوقود والمستشفيات، فضلاً عن الكثير من الشركات الخاصة، يمكن أن تمتد إلى مراكز أكثر حساسية وخطورة، كالمطار ووزارتي الداخلية والدفاع، وتعتبر الجنسية البنغالية هي أساس مثل هذا التحرك الاحتجاجي.
وبصراحة، فإن العقلية الكويتية التي تدير شؤون العمالة في البلاد هي التي أوصلتنا إلى هذا المستوى، الذي يمكن أن يوصف بـ«الدوني»، وما نراه اليوم يُعد نتيجة طبيعية للفساد المنظم والمستمر في آلية تنظيم إقامة العمالة الوافدة على امتداد ثلاثة عقود من الزمن، وخصوصاً ما يتعلق بالجالية البنغالية الأرخص على الإطلاق.
وعلى الرغم من أن قصة العمالة البنغالية كانت مفضوحة منذ زمن طويل، فإن المصالح المغرية بين طياتها كانت كفيلة باستمرارها بروح من التحدي والإصرار، وحتى نقرب المعنى إلى القارئ يكفي أن نستشهد بهذا المثل:
عقد حكومي قوامه ألف عامل لمدة سنتين، تحسب فيه كلفة العامل بـ250 ديناراً، أي ما مجموعه مليونان ونصف مليون دينار، ومن هذا الرقم، فإن نصف هذه العمالة فقط يعين في المشروع وبراتب 20 ديناراً لا غير، أي أن إجمالي رواتب هؤلاء العمال جميعهم طوال فترة المشروع يكون 250 ألف دينار، ومن أجل الاستيلاء على أعلى منفعة من ميزانية المشروع، فإن نصف هذه العمالة يُرمى في الشارع ليستقطبه التوظيف غير الشرعي، أو يترك لينجر إلى هاوية الجريمة والدعارة، وصاحب المشروع في النهاية يحصل على مليوني دينار كصافي ربحه من الأموال العامة! ولا نحتاج إلى أن نستدل بمستوى خدمات النظافة والاستخدامات المختلفة لهذه العمالة البسيطة في كثير من مرافق الدولة، فالكثير من هؤلاء العمال يقومون بالأعمال الإدارية والفنية بدلاً من الموظفين الحكوميين.
ومن المؤكد أن مثل هذه المأساة سيتعاظم إذا ما استمرت هذه العقلية، التي تقف خلفها المصالح الفردية ممَن باتوا يديرون وزارة الشؤون من الرأس حتى أخمص القدمين، وحيث يسيل لعاب الكثيرين للدخول في هذا الربح الكبير دونما عناء، مع توسع الدولة في مشاريعها الكبرى القادمة تحت عنوان التنمية «المسكينة»!
أما عن التعامل مع هذه الشريحة العمالية فحدِّث ولا حرج، ولا نحتاج إلى تقارير لجان حقوق الإنسان لتأكيدها، رغم التبجح الحكومي الكاذب في الاستمرار بالنفي، فالعمالة البسيطة في الكويت تعاني أبشع انتهاكات حقوق الإنسان وعلى نطاق واسع، حيث تعيش الأغلبية العظمى من العمال في حالة من الجحيم بلا رحمة وبلا كرامة، وفي ظل ظلم بلا حدود.
ويكفي فقط أن نتخيل الآلاف من البشر يُرغَمون على السكن في أوكار جماعية، ولا تصرف لهم رواتبهم التي لا تتجاوز أصلاً 30 ديناراً شهرياً، لمدد قد تزيد على نصف العام.
أليس من حق هؤلاء الاحتجاج والإضراب؟ وهل التعبير عن الرأي والغضب والكرامة الإنسانية حرام على البنغال في مقابل الغترة والعقال؟
ونصيحة للأخ الفاضل وزير الشؤون بالحذر من المحاولات الجديدة الرامية إلى استغلال الظروف المتوترة، من أجل تمرير فكرة إلغاء نظام الكفيل، وحصرها في مجموعة شركات تتولى ذلك، فمجرد تسريب هذه الفكرة يا معالي الوزير أوصل عدد طلبات فتح مثل هذه المكاتب إلى أكثر من 300 طلب، والحل الذي يستحق الدراسة في هذا الشأن هو إنشاء هيئة عليا للعمالة تابعة لمجلس الوزراء، وبإشراف وزير الشؤون تقوم بإصدار «فيز» الدخول وتصاريح العمل مقابل رسوم محددة، يعود ريعها إلى الميزانية العامة، وتحدد رواتب العمال تبعاً لخدمتهم ومؤهلاتهم، وتقوم الشركات بعد ذلك بتوظيفهم داخل الكويت عن طريق هذه الهيئة.